المجيء بالآيات المقترحة ، لعمّهم الهلاك كما عمّ الأمم السابقة واستحقّوا عذاب الاستئصال ، فلأجل ذلك لم يأت بالآيات المقترحة.
٣. انّ قوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) إشارة إلى جواب ثالث ، وهو : أنّ الظاهر من قول المقترحين : (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) أنّهم آمنوا بنبوّة موسى وعيسى وصدقوهما ، فلأجل ذلك يطلبون من النبي نفس المعجزات التي جاء بها الرسولان السابقان ، فعند ذلك يدعوهم القرآن إلى أن يسألوا أهل الذكر وهم أهل الكتاب حتى يعرّفوهم بالبشائر الواردة في حق النبي في الكتب المنزلة قبله ، فلو أنّهم بصدد الحقيقة فلماذا لم يطرقوا هذا الباب ؟ وهذا آية أنّهم قوم لجاج وعناد.
٤. إنّ قوله : ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) يشير إلى عقيدة القوم فكأنّهم كانوا ينتظرون من النبي أن يكون ذا قدرة فوق البشرية فلا يأكل ولا يمشي في الأسواق ، ويفعل كل ما اقترحوا عليه ، مع أنّ الأنبياء في منطق القرآن والعقل فوق هذه المزعمة ، فهم لا يفعلون ، ولا يقدرون على شيء إلاّ بإذن الله قال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) (١). ثم إنّ الآية تشتمل على حجتين تقومان على إبطال استدلالهم ببشريته على نفي نبوته :
الأولى : نقض حجتهم بالإشارة إلى رجال من البشر كانوا أنبياء فلا منافاة بين البشرية والنبوة.
الثانية : حلّها ، وهو انّ الفارق بين النبي وغيره هو الوحي الإلهي ، وهو كرامة من الله يخصص بها من يشاء من عباده.
__________________
(١) الرعد : ٣٨.