فالآية نظير قوله : ( قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) (١).
وعلى ذلك كله فامتناع النبي عن القيام بمقترحات القوم ، ليس لأجل أنّه لم يؤت بمعجزة سوى القرآن ، بل إمّا لأجل اليأس من إيمانهم ، وإمّا لاستلزام الإنكار إبادتهم واستئصالهم ، وإمّا لأجل أنّ النبي ليس قادراً على كل ما يطلبونه منه إلاّ بإذن الله ، وإذنه سبحانه موقوف على توفر شرائط.
الآية السابعة عشرة
قال سبحانه : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) (٢).
وهذه الآية قد تذرّع بها الخصم على أنّ النبي لم يكن مزوداً بمعجزة سوى القرآن وأنّه كل ما طولب بالمعجزة أجاب بأنّ « الآيات عند الله » غير أنّ الإمعان في الآيات التي سبقتها وتأخرت عنها يكشف القناع عن مقصد الآية ومرادها ، وإليك بيانها :
إنّ الناظر في الآيات المتقدمة على هذه الآية يجد أنّ القرآن يبرهن على كونه من الله سبحانه بأنّ النبي الآتي به أُمّي ما كان يتلو من قبله من كتاب وما كان يخط بيمينه شيئاً ، فهذا الكتاب العظيم الذي ينطوي على آفاق من العلوم والمعارف والحكم ، يستحيل أن يكون من نسج الإنسان وصنع البشر ، فلأجل ذلك
__________________
(١) إبراهيم : ١٠ ـ ١١.
(٢) العنكبوت : ٥٠.