أفيمكن تفسير الآية ـ حينئذ ـ بغير ما اختاره جمهور المفسرين من صيرورتهم قردة حقيقيّين ، وأي عذاب بئيس أشدّ من صيرورة الإنسان بصورة القردة المطرودة !!
رابعاً : أنّ ما ردّ به نظرية الجمهور من أنّه لا يكون المسخ الصوري موعظة للعصاة ، لأنّهم يعلمون ـ بالمشاهدة ـ أنّ الله لا يمسخ كلّ عاص ... إلى آخر كلامه ، مردود بوجهين :
الأوّل : أنّه لو صح ذلك لوجب تأويل جميع ما ورد في القرآن الكريم من الإبادة والإهلاك بالخسف والإمطار بالحجارة ، والغرق ، والريح ، وغير ذلك مما وقع بالأمم السالفة عقاباً وعبرة للآخرين ، وذلك مثل قوله سبحانه : ( وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيماً ) (١) ، ومثل قوله سبحانه في شأن فرعون : ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَىٰ * فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَىٰ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَىٰ ) (٢).
إنّه سبحانه يصرح في الآية الأُولى والثانية بأنّه إنّما فعل ما فعل بقوم نوح وبفرعون ليكونوا عبرة للآخرين ، وتذكاراً.
على أنّ الله سبحانه يذكر نظير ذلك في سورة هود ، وذلك عندما يستعرض قصص من أرسل إليهم الأنبياء وأنّهم كذبوهم ، فأصابهم الله بشتّى ألوان العذاب والإهلاك ، وذلك مثل قوم نوح ، وقوم عاد ، وقوم ثمود ، وقوم لوط ، وقوم شعيب ، وقوم فرعون ، ثم يختم هذا الاستعراض المفصل بقوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ
__________________
(١) الفرقان : ٣٧.
(٢) النازعات : ٢٤ ـ ٢٦.