بعجماوات الحيوان ، وسنّة الله تعالى واحدة ، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية.
إلى أن قال : فاختيار ما قاله مجاهد هو الأوفق بالعبرة والأجدر بتحريك الفكرة (١).
ونحن لسنا ـ هنا ـ في صدد تفسير الآية وتوضيح مفادها ، غير أنّه ـ إيقافاً للقارئ الكريم على الحقيقة ـ نلفت نظره إلى أُمور تثبت ما نسبناه إلى هذه الجماعة من موقف خاص تجاه المعاجز والكرامات وما شاكلها ، وهذه الأمور هي :
أوّلاً : أنّ المشهود من تفسير صاحب المنار أنّه مقلّد قوي للسلف في أكثر الموارد والمجالات ، فلماذا عدل في هذا المضمار ، واختار القول الشاذ ، أعني : قول مجاهد ؟!
ثانياً : كيف رضيت نفسه أن يفسر الآية بمثل قوله سبحانه : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ... ) مع أنّ المذكور في تلك الآية إنّما هو على سبيل المثل ، فإنّ لفظة « مثل » تنادي بأنّ حالهم ـ في عدم الفهم والانتفاع بالتوراة ـ كمثل الحمار الحامل للكتب والأسفار من دون فهم لما فيها ، لا أنّهم حمر بالهيئة والصورة والحقيقة ، وهذا بخلاف ظاهر الآية الحاضرة ، فإنّها بظاهرها حاكية عن أنّهم صاروا قردة حقيقيّين لا أنّهم صاروا مثلهم مثل القردة ؟!
ثالثاً : لماذا غفل الأستاذ عما ورد في تلك القصة في سورة الأعراف من قوله سبحانه : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوا عَن مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) (٢).
__________________
(١) تفسير المنار : ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥.
(٢) الأعراف : ١٦٥ ـ ١٦٦.