التخاطب العرفي ، وأمّا مذهب الخلف فلنا أن نحمل الشفاعة فيه على أنّها دعاء يستجيبه الله تعالى ، والأحاديث الواردة في الشفاعة تدل على هذا ، ثم ذكر حديثاً من الصحيحين ، وقال في الهامش بمثل هذا « أي دعاء يستجيبه الله تعالى » قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ولم يعدّوه تأويلا (١).
والعجب أنّ الأستاذ محمد عبده ـ مع ماله من الاطّلاع الوسيع على المعارف الإسلامية وبالأخص فيما يرجع إلى تفسير القرآن ـ انّه كلّما مر على أُمور ترتبط بأولياء الله مثل الشفاعة والاستشفاع منهم والتوسل والزيارة يضطرب بيانه ، ولا يعمد إلى كشف الحقيقة بحرية كاملة ـ كما هو دأبه في سائر المسائل ـ ونرى الأستاذ في هذه المسائل يبدو كأنّه قد تأثر بمقالة الوهابيين ، وأغلب الظن أنّ الأستاذ بريء عن أكثر ما نسب إليه بالصراحة في هذه المباحث في التفسير فأنّي أُجلّه عن النزعة الوهابية ، ولعل تلميذه السيد محمد رشيد رضا قد أودع كلمات الأستاذ في قوالب خاصة تتناسب مع نزعاته الوهابية ، ومع ذلك فالعلم عند الله سبحانه. اللهم (٢) اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.
ولأجل ذلك نرى تلميذه الكاتب لدروسه يثير إشكالات ثلاثة حول الشفاعة ، التي هي دون شأن الأستاذ ، وهي :
١. ليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ، ولكن ورد الحديث بإثباتها فما معناها ؟!
٢. الشفاعة لا تتحقق إلاّ بترك الإرادة وفسخها لأجل الشفيع ، فأمّا الحاكم العادل فإنّه لا يقبل الشفاعة إلاّ إذا تغيّر علمه بما كان أراده ، أو حكم به ، كأن
__________________
(١) تفسير المنار : ١ / ٣٠٧.
(٢) نعم ما ذكره الأستاذ في تفسير سورة الفاتحة : ٤٦ ـ ٤٧ يؤيد أنّ الأستاذ كان يميل إلى الحركة الوهابية التي بلغت موجتها إلى تلك الديار في ذلك الأوان.