لو صحّ ما ذكره من المعنى للشفاعة لما كان منافياً للمعنى الآخر الذي ورد في الكتاب وتضافرت به الروايات كما سيجيئ.
ولا يخفى أنّ تفسير الشفاعة بما يتراءى في كلامه وان كان صحيحاً في حدّ ذاته ، ويليق أن يسمّى الأوّل بالشفاعة القيادية ، والثانية بالشفاعة العملية ، غير أنّ هذين المعنيين لا يمتان إلى ما اتفقت عليه الأمّة في معنى الشفاعة بصلة ، حيث إنّهم فسروها بالحديث المتواتر عنه من ادّخار شفاعته لأصحاب الكبائر أو للمذنبين من الأمّة ، وأين هذا من الشفاعة القيادية التي لا تختص بصنف دون صنف ، بل هي فيض إلهي عام شامل لجميع الناس حيث بعث الله سبحانه نبيّه بشيراً ونذيراً للعالمين كافة ؟
وكما أنّ الشفاعة القيادية لا تمّت إلى الشفاعة المصطلحة بصلة ، فهكذا الشفاعة بمعنى العمل بالأحكام الإلهية والوظائف الدينية ، فإنّها وإن كانت تنجي الإنسان يوم التناد والعذاب ، لكنها غير مربوطة بما هو المصطلح في ذاك الباب.
وبالجملة فإنّ الكاتب لما لم يتوفّق لحل بعض معضلات الباب أخذ يؤوّل الشفاعة إلى المعنيين الآخرين ، وليست لهما أية صلة بالمراد من الآيات والروايات الواردة في الباب.
وسيوافيك المعنى الحقيقي للشفاعة بعد سرد الآيات وتفسير بعضها ببعض ولأجل ذلك يجب علينا أن نقدم البحث عن مفاد الآيات ، وتفسير بعضها ببعض حتى يرتفع الاختلاف الذي يلوح للقارئ لأوّل وهلة ثم البحث عن معنى الشفاعة ولأجل ذلك أفردنا الفصل التالي.