الصحيح في منطق العقل أن يفسر أصل من أُصول الإسلام ببعض العقائد الدارجة بين الأقوام.
٣٤. وليعلم أنّه ليس الكاتب فريداً في هذا الخلط والخبط بل تبعه معاصره الشيخ الطنطاوي حيث يعترف في تفسيره بأنّ الشفاعة من أُصول الإسلام المسلّمة وانّه لا اختلاف بين المعتزلة والفلاسفة وسائر الفرق الإسلامية في أصل ثبوتها ، ولو كان هناك اختلاف فإنّما الاختلاف في مفادها ومرماها ، وحيث إنّه لم يتمكن من تحليلها بالمعنى الصحيح الذي يؤيده العقل أخذ يفسرها بتفسير بعيد عن واقع الشفاعة ، وإليك نص كلامه :
إنّ النبي كالشمس المشرقة وهي مشرقة على اليابسة والبحار والآكام والنبات والشجر والأرض السبخة والأرض الطيّبة ، وكل من تلك المواضع يأخذ حظه من ضوئها على مقدار استعداده ، فهكذا الأمّة التي تتبع نبياً في أطوارها وأحوالها الدينية على حسب أمزجتها وأخلاقها وعوائدها وبيئتها فلا جرم يختلفون في قبوله اختلاف أحوالهم وتكون أحوالهم في الآخرة على مقتضى ذلك الاختلاف إلى أن قال : ـ واعلم أنّ للشفاعة بذوراً ونباتاً وثمراً ، فبذورها العلم ، ونباتها العمل ، وثمرها النجاة في الآخرة ، فالأنبياء عليهمالسلام علّموا الناس في الدنيا وفيها غرسوا البذور ، والناس إذا عملوا بما سمعوا منهم ينالون تلك الثمرة وهي النجاة والارتقاء ، فمبادئ الشفاعة العلم وأوسطها العمل ونهايتها الفوز والرقيّ في الآخرة ، فالشفاعة تابعة للاقتداء فمن لم يعمل بما أنزل الله وتجافى عن الحق فقد عطّل ما وهب له من بذر الشفاعة (١).
وقد نسب هذا المقال إلى محيي الدين بن العربي ، والإمام الغزالي ، وسيوافيك بقية كلامه عند البحث عن الإشكالات.
__________________
(١) الجواهر في تفسير القرآن الكريم : ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ، بتلخيص منا.