التجاوز عن الذنوب ، وفي الاصطلاح الديني سؤال بعض الصالحين من الله التجاوز عن معاقبة بعض المذنبين ، وقد أضرت هذه العقيدة بأكثر الأديان وما هي إلاّ تحريف تقصّده الكهّان ليكون لهم شأن عند الناس ، وقد جاء الإسلام فقوّم عقائد الأمم من هذه الجهة ، فذكر الشفاعة ثم قال : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) وقال تعالى : ( وَكَم مِن مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ) فمتى علم المسلم أنّ الشافع والمشفع هو الله وانّ لا أحد يمكنه أن يغني فتيلاً ، رفع وجهه من الاستشفاع بمثله إلى الاستشفاع بربّه ، وناهيك بهذا بعداً عن الوثنية وقرباً من الديانة الإلهية (١).
لم يكن المتوقع من مثل عالم بارع قد أفنى عمره في الذب عن الإسلام بتآليفه القيمة أن يتعامل مع الشفاعة بمثل ما تعامل به « فريد وجدي » فإنّ كلامه هذا يكشف عن عدم تدبّره في معنى الشفاعة التي نطق بها القرآن وأثبتتها الأحاديث واختارها العلماء ، فإنّك ترى أنّه ينكر الشفاعة في بدء كلامه ويتلقّاها اعتقاداً ضاراً صنعه الكهنة وبثّوه بين الأمّة ، حيث قال : وقد أضرّت هذه العقيدة بأكثر الأديان وما هي إلاّ تحريف تقصّده الكهان ليكون لهم شأن عند الناس. ولكنه سيعود في ذيل كلامه إلى العقيدة الوهابية في باب طلب الشفاعة الظاهرة في ثبوتها في نفس الأمر ، غير أنّه ليس لنا إلاّ أن نطلبها من الله سبحانه حيث قال : فمتى علم المسلم أنّ الشافع والمشفع هو الله وأنّ لا أحد يمكنه أن يغني فتيلاً ، رفع وجهه من الاستشفاع بمثله إلى الاستشفاع بربِّه.
وسوف توافيك الآثار التربوية للشفاعة الصحيحة التي كشف عنها القرآن وأيّدها العقل والبرهان ، وأنّ ما رآه فريد وجدي عقيدة ضارة فما هي إلاّ الشفاعة التي اخترعتها الوثنية أو اليهودية البعيدة عن العقيدة الإسلامية ، وليس من
__________________
(١) دائرة معارف القرن الرابع عشر : ٥ / ٤٠٢ ، مادة شفع.