التأثير الاستقلالي في الله سبحانه ، ومن ليس له إلمام بالمعارف القرآنية يواجه حيرة كبيرة تجاه طائفتين من الآيات ، إذ كيف يمكن أن تنحصر شؤون وأفعال ، كالشفاعة والمالكية والرازقية وتوفّي الأرواح ، والعلم بالغيب ، والإشفاء ، بالله سبحانه كما عليه أكثر الآيات القرآنية ، بينما تنسب هذه الأفعال في آيات أُخرى إلى غير الله من عباده ، فكيف ينسجم هذا الانحصار مع هذه النسبة ؟ غير أنّ الملمّين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أنّ هذه الأمور على وجه الاستقلال والأصالة قائمة بالله سبحانه مختصة به ، في حين أنّ هذه الأمور تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الإلهية.
وقد اجتمعت النسبتان في قوله سبحانه : ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ رَمَىٰ ) (١) فهذه الآية بينما تنسب الرمي بصراحة إلى النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم تسلبه عنه وتنسبه إلى الله سبحانه ، وذلك لأنّ انتساب الفعل إلى الله ـ الذي منه وجود العبد وقوته وقدرته ـ أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلاً لله ، ولكن شدّة الانتساب لا تسلب المسؤولية عن العبد ، وإليه يشير الحكيم السبزواري في منظومته :
لكن كما الوجود منسوب لنا |
|
والفعل فعل الله وهو فعلنا (٢) |
وعلى ذلك فإذا كانت الشفاعة عبارة عن جريان الفيض الإلهي ـ أعني : طهارة العباد عن الذنوب وتخلّصهم عن شوائب المعاصي ـ على عباده ، فهي فعل مختص بالله سبحانه لا يقدر عليه أحد إلاّ بإقداره وإذنه ، وبذلك يصح نسبته إلى الله سبحانه بالأصالة وإلى غيره بالتبعية ، ولا منافاة بين النسبتين ، وهذا كالملكية فالله سبحانه مالك الملك والملكوت ، ملك السماوات والأرض بإيجاده وإبداعه ،
__________________
(١) الأنفال : ١٧.
(٢) لاحظ معالم التوحيد : ٣٦١ ـ ٣٦٥ ، وشرح المنظومة للمحقق السبزواري : ١٧٥.