ثم يملّكه العبد منه بإذنه ، ولا منافاة في ذلك لأنّ الملكية الثانية في طول الملكية الأولى ، ونظيرها كتابة أعمال العباد فالكاتب هو الله سبحانه حيث يقول سبحانه : ( وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ) (١) وفي الوقت نفسه ينسبها إلى رسله وملائكته ويقول سبحانه : ( بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (٢).
فإذا كانت الملائكة والأنبياء والأولياء مأذونين في الشفاعة فلا مانع من أن تنسب إليهم الشفاعة كما تنسب إلى الله سبحانه ، غير أنّ أحدهما يملك هذا الحق بالأصالة والآخر يملكه بالتبعية.
ولأجل ذلك يقول العلاّمة الطبرسي في تفسير قوله تعالى : ( للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ) : أي لا يشفع أحد إلاّ بإذنه ولا يملك أحد الشفاعة إلاّ بتمليكه (٣).
وقال العلاّمة الطباطبائي في تفسير تلك الآية : كل شفاعة مملوكة لله فإنّه المالك لكل شيء ، إلاّ أن يأذن لأحد في شيء منها فيملّكه إياها.
وإن شئت قلت : إنّ الشفيع بالحقيقة هو الله سبحانه وغيره من الشفعاء لهم الشفاعة بإذن منه ، والشفاعة تنتهي إلى توسط بعض صفاته بينه وبين المشفوع كتوسط الرحمة بينه وبين عبده المذنب ، وتخليصه من العذاب (٤).
وهناك بيان أبسط للعلاّمة الطباطبائي نأتي به حرفيّاً :
إنّ الآيات بينما تحكم باختصاص الشفاعة بالله سبحانه ـ وقد ذكرت هذه الآيات في الصنف الخامس ـ وبينما يعمها لغيره تعالى بإذنه وارتضائه ونحو ذلك ، وكيف كان ، فهي تثبت الشفاعة بلا ريب ، غير أنّ بعضها تثبتها بنحو الأصالة لله وحده من غير شريك ، وبعضها تثبتها لغيره بإذنه وارتضائه ، وهناك آيات تنفيها ،
__________________
(١) النساء : ٨١.
(٢) الزخرف : ٨٠.
(٣) مجمع البيان : ٤ / ٥٠١.
(٤) الميزان : ١٧ / ٢٧٠.