فتكون النسبة بين هذه الآيات كالنسبة بين الآيات النافية لعلم الغيب عن غيره وإثباته له تعالى بالاختصاص ، ولغيره بارتضائه ، قال تعالى : ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ ) (١).
وقال تعالى : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ ) (٢) وقال تعالى : ( عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَسُولٍ ). (٣) وكذلك الآيات الناطقة في التوفّ ـ ي والرزق ، والتأثير والحكم والملك ، وغير ذلك فإنّها شائعة في اسلوب القرآن ، حيث ينفي كل كمال عن غيره تعالى ثم يثبته لنفسه ثم يثبته لغيره بإذنه ومشيئته ، فتفيد أنّ غيره تعالى من الموجودات لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها وانّما تملكها بتمليك الله إيّاها حتى أنّ القرآن يثبت نوعاً من المشيئة فيما حكم وفيما قضى عليها بقضاء حتم ، كقوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) (٤).فقد علق الخلود بالمشيئة ـ وخاصة في خلود الجنة ، مع حكمه بأنّ العطاء غير مجذوذ ـ إشعاراً بأنّ قضاءه تعالى عليهم بالخلود لا يخرج الأمر من يده ولا يبطل سلطانه وملكه عزّ اسمه كما يدل عليه قوله : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ). (٥)
ومن هنا يظهر أنّ الآيات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة
__________________
(١) النمل : ٦٥.
(٢) الأنعام : ٥٩.
(٣) الجن : ٢٦ ـ ٢٧.
(٤) هود : ١٠٦ ـ ١٠٨.
(٥) هود : ١٠٧.