الفلسفية واعترفت به الآيات القرآنية حسبما أوضحناه في الجزء الأوّل عند البحث عن التوحيد في الخالقية (١) ولا نعيدها هنا.
غير أنّ الظواهر الكونية بحكم أنّها ممكنة الوجود ، غير مستقلّة في ذاتها كما هي غير مستقلّة في علّيتها وتأثيرها ، بمعنى أنّها لا تؤثر إلاّ بإرادة الله وإذنه سبحانه ، ضرورة أنّها لو كانت مستقلّةً في التأثير يلزم أن تكون مستقلةً في الوجود لبداهة أنّ الاستقلال في العلية فرع الاستقلال في الوجود ، ولو سلمنا الاستقلال في التأثير فلا محالة قد سلّمنا قبله الاستقلال في الذات وهو يساوق كون الشيء واجباً غنياً عن العلّة ، وهو خلاف الفرض.
ولأجل ذلك اتّفقت الفلاسفة والمتكلمون إلاّ من شذّ من المعتزلة على أنّه لا مؤثّر مستقلّ في الوجود غيره سبحانه ، وأنّ غيره مفتقر في الوجود والتأثير إليه سبحانه ، ولأجل ذلك صار شعار القرآن في حق الإنسان ( وحتى غير الإنسان أيضاً ) : قوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ ) (٢) وقوله سبحانه : ( وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ ) (٣).
وقال سبحانه حاكياً عن موسى الكليم عليهالسلام : ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (٤).
فعالَم الكون بما أنّه عالَم إمكاني لا يملك من لدن ذاته وجوداً ولا كمالاً ، بل كلما يملك من وجود وكمال فقد أُفيض إليه من جانبه سبحانه فهو بحكم
__________________
(١) معالم التوحيد : ٢٩٩ ـ ٣١٤.
(٢) فاطر : ١٥ ـ ١٧.
(٣) محمد : ٣٨.
(٤) القصص : ٢٤.