الإمكان موجود مفتقر في عامة شؤونه ، وتأثيره ، وعلّيته.
وإلى ما ذكرنا من توقف تأثير كل ظاهرة كونية ، على إذنه سبحانه يشير قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (١).
فإنّ الآية بعدما تصف الله سبحانه بأنّه خالق السماوات الأرض في ستة أيام وأنّه استوى بعد ذلك على العرش ، وأنّه يدبّر أمر الخلق ، تعلن بأنّ كل ما في الكون من العلل الطبيعية والظواهر المادية يؤثر بعضه في البعض بإذنه سبحانه ، وأنّه ليست هناك علّة مستقلة في التأثير بل كل ما في الكون من العلل ، ذاته وتأثيره ، قائمان به سبحانه وبإذنه ، فالمراد من الشفيع في الآية هو الأسباب والعلل المادية وغيرها ، الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحقّقها وإنّما سميت العلة شفيعاً لأجل أنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه فهي ( مشفوعة إلى إذنه سبحانه ) تؤثر وتعطي ما تعطي.
وعلى ذلك تخرج الآية عن الدلالة على الشفاعة المصطلحة بين أئمّة علم الكلام ، وإنّما اخترنا هذا المعنى لوجود قرائن في نفس الآية ، فإنّها تبحث في صدرها عن خلق السماوات والأرض وتحدّد مدّة الخلق والإيجاد بستة أيام ، ثم ترجع الآية وتنص على سعة قدرته على جميع ما خلق وإحاطته بهم ، وانّه بعد ما خلق السماوات والأرض ، استوفى على عرش القدرة وأخذ يدبّر العالم وعند ذلك ينطرح في ذهن القارئ أنّه إذا كان هو المدبّر والمؤثر فما حال سائر المدبرات والمؤثرات التي يلمسها البشر في حياته ؟
فللإجابة عن هذا السؤال أتى بقوله : ( مَا مِن شَفِيعٍ إِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ )
__________________
(١) يونس : ٣.