مصرّحاً بأنّ كل تأثير وتدبير في سبب من الأسباب فإنّما هو بإذنه ومشيئته ولولا إذنه ومشيئته لما قام السبب بالسببية ولا العلة بالعلية ، وهذه القرائن توجب حمل هذه الجملة على ما يجري في عالم الكون والوجود من التأثّر والعلّية ، وتفسيرها بالشفاعة التكوينية وإنّ كل ظاهرة مؤثّرة كالشمس والقمر والنار والماء لا تؤثر إلاّ بالاستمداد من قدرته سبحانه والاعتماد على إذنه ومشيئته حتى يتم بذلك التوحيد في الخالقية والتدبير ، فلا خالق إلاّ هو ، كما لا مدبر إلا هو ، فما يتراءى في صفحة الوجود من الخلق والتدبير فليس على ظاهرهما وإنّما تقوم سائر العلل بالخلقة والدبير مستمداً من حوله وقوته ، فيرجع معنى الآية إلى أنّه لا مؤثّر في الكون إلاّ من بعد إذنه ، ولأجل ذلك تستنتج الآية وتخاطب البشر بأنّه إذا كان هو الخالق والمستولي على عرش القدرة والمدبر لجميع العالم ، وإذا كان تأثير كل ما سواه بإذنه ، فليعبد ذلك الرب سبحانه دون غيره ، إذ هو اللائق دون ما سواه بالعبادة ، فإنّ منشأ العبادة والخضوع هو الوقوف على الجمال والكمال المطلقين في المعبود بحيث يحمل ذلك الوقوف الإنسان العارف على العبادة والخضوع وليس ذلك الكمال موجوداً إلاّ فيه سبحانه ، لأنّه الخالق المستولي المدبّر المعطي لكل ما سواه : الوجود والتأثير ، قال : ( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ).
إذا وقفت على ما ذكرنا تقف على أنّه لا يناسب حملها على الشفاعة المصطلحة التي تدور حول التكاليف والتشريعات وعصيان العباد ومخالفتهم لها ، ثم توسيط الشفعاء لغفران ذنوبهم وحط سيئاتهم.
وإلى ما ذكرنا يشير العلاّمة الطباطبائي بقوله : « إنّ ربكم معاشر الناس هو الله الذي خلق هذا العالم المشهود كله سماواته وأرضه في ستة أيام ، ثم استوى على عرش قدرته ، وقام مقام التدبير الذي إليه ينتهي كل تدبير وإرادة ، فشرع يدبر أمر العالم ، وإذا انتهى إليه كل تدبير من دون الاستعانة بمعين أو الاعتضاد بأعضاد ،