يمنع عن وجود المقتضي وتكوّنه.
وعلى ما ذكرنا من قيام قيادة الأنبياء والأئمّة مقام الشفيع والشفاعة في تخليص العبد من الوقوع في المهالك ، يظهر أنّ إطلاق الشفاعة على هذا القسم ليس إطلاقاً مجازياً بل إطلاق حقيقي. وقد شهد بذلك القرآن والأخبار ، قال سبحانه : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١) والضمير المجرور في ( بِهِ ) يرجع إلى القرآن (٢).
ولا شك أنّ ظرف شفاعة هذه الأمور إنّما هو الحياة الدنيوية ، فإنّ تعاليم الأنبياء وقيادتهم الحكيمة وهداية القرآن وغيره إنّما تتحقق في هذه الحياة الدنيوية ، وإن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأخروية ، فمن عمل بالقرآن وجعله أمامه في هذه الحياة قاده إلى الجنة في الحياة الأخروية ، ولأجل ذلك نرى أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر الأمّة بالتمسك بالقرآن ويصفه بأنّه الشافع المشفّع ويقول : « فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع ، وماحل مصدّق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبرهان » (٣).
فإنّ قوله : ومن جعله أمامه ، تفسير لقوله : فإنّه شافع مشفّع.
والحاصل : أنّ الشفاعة القيادية شفاعة بالمعنى اللغوي ، فإنّ المكلفين بضم هداية القرآن وتوجيهات الأنبياء والأئمّة إلى إراداتهم وطلباتهم ، يفوزون بالسعادة ويصلون إلى أرقى المقامات في الحياة الأخروية ويتخلّصون من تبعات المعاصي ولوازمها.
__________________
(١) الأنعام : ٥١.
(٢) مجمع البيان : ٢ / ٣٠٤.
(٣) الكافي : ٢ / ٢٣٨.