جميعاً إنّما هو الحياة الأخروية ، أعني اليوم الموعود الذي وعده الله لجميع الناس.
وأمّا الشفاعة القيادية فنفس الشفاعة وتحقّقها وتكوّنها في الحياة الدنيا وإنّما تتحقّق نتائجها وتظهر آثارها في الحياة الأخروية فكيف يصح أن تفسّر إحدى الشفاعتين بالأخرى ؟!
والذي يكشف عن ذلك هو أنّ بعض الآيات النافية للشفاعة والمثبتة لها إنّما وردت في نفي عقيدة اليهود القائلين بالشفاعة الباطلة ، فأراد القرآن بنصوصه إخراج أمر الشفاعة بصورة صحيحة لا تأباه الفطرة ، ولا تنخرم به الأصول العقلية ، فبما أنّ اليهود يعتقدون بأنّ انتسابهم إلى الأنبياء يوجب أن لا تمسّهم النار يوم القيامة إلاّ أياماً معدودة ، جاء القرآن يفنّد هذه المزعمة بنفي الشفاعة المطلقة المحررة من كل قيد وإثبات شفاعة محدودة ومقيّدة ، وعلى ذلك فالنفي والإثبات في آيات الشفاعة لا يردان على المورد الواحد إلاّ بجعل ظرف تلك الشفاعة هو يوم القيامة والحياة الأخروية.
وعلى ذلك لا ينبغي لمفسّرٍ إرجاع الآيات المربوطة بالشفاعة ، إلى الشفاعة القيادية ، التي لا ترتبط بعقيدة اليهود في أمر الشفاعة وليس لها ظرف إلاّ هذه الحياة الدنيوية.
أضف إلى ذلك أنّ القرآن يعرّف الملائكة بأنّهم من الشفعاء ويقول سبحانه : ( وَكَم مِن مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ) (١) ومن المعلوم أنّ الشفاعة الممكنة من الملائكة في حق الإنسان إنّما هي الشفاعة المصطلحة ، لا القيادية فإنّ البشر العادي لا يقدر على الاستنارة والاستفادة من الملك ، ولا يمكن للملك أن يتكفل قيادة الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
__________________
(١) النجم : ٢٦.