واستقلوا بأمرهم ، وجب أن يمدحوا ، ويذكروا بخير ، مع أنّه سبحانه يقول في ذيل الآية ذاماً لهم : ( إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ).
والعجب أنّ الأستاذ ردَّ نظرية الجمهور بقوله سبحانه : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلا المَوْتَةَ الأُولَىٰ ) (١) قائلاً بأنّه لا معنى لحياتين في هذه الدنيا (٢).
والجواب : أنّ الحياة الدنيا لا تصير بتخلل الموت حياتين ، بل هي حياة واحدة ، أيضاً ، وإلاّ فماذا يقول في أصحاب الكهف الذين ضرب الله على أسماعهم ثلاثمائة سنة انقطعوا فيها عن هذه الحياة ثم رجعوا إليها ، والسبات على طائفة بمدة ثلاثمائة سنة ، لا تقصر عن الموت ، بل هو والموت سواسية.
ولو قال بأنّ ظاهر الآية انّ الناس لا يذوقون إلاّ موتة واحدة ، وعلى هذا التفسير فهؤلاء ذاقوا الموت مرتين.
فجوابه : أنّ مشيئته سبحانه هو أن لا يذوق الانسان إلاّ موتة واحدة ، إلاّ إذا كانت هناك مصالح توجب تعدد الموت ، مثل قوله سبحانه : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ). (٣) وقوله : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (٤). وليست الآية راجعة إلى يوم البعث ، فإنّه يحشر فيه جميع الناس والأمم جمعاء لا فوج منهم.
النموذج الخامس :
قال الله سبحانه : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ
__________________
(١) الدخان : ٥٦.
(٢) تفسير المنار : ٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٣) غافر : ١١.
(٤) النمل : ٨٣.