يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١).
ذهب الجمهور إلى أنّ الرجل المذكور في الآية كان من الصلحاء عالماً بمقام ربّه ، مراقباً لأمره ، بل كان شخصاً مكلَّماً كما يحكي عنه قوله سبحانه : ( ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ) فخرج من داره قاصداً مكاناً بعيداً عن قريته التي كان بها ، والدليل على ذلك خروجه مع حمار يركبه وحمله طعاماً وشراباً يتغذى بهما ، فلما صار إلى ما كان يقصده مرّ بالقرية التي ذكر الله أنّها كانت خاوية على عروشها ، ولم يكن قاصداً نفس القرية ، وإنّما مرّ بها مروراً ثم وقف معتبراً بما شاهده من القرية الخربة قائلاً كما يحكيه عنه سبحانه : ( أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) مستعظماً ـ بذلك ـ الإحياء بعد طول المكث في القبور ورجوعهم إلى حياتهم الأولى ، فأماته الله سبحانه ثم بعثه.
وقد كانت الإماتة والإحياء في وقتين مختلفين من النهار ، واستفسر عنه سبحانه بقوله : ( كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) فردّ الله سبحانه عليه بقوله : ( بَل لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) فرأى من نفسه أنّه شاهد مائة سنة كيوم أو بعض يوم ، فكان في ذلك جواب ما استعظمه من إمكان الإحياء بعد طول المكث.
ولكن الأستاذ فسر « الموت » في الآية بالسبات ، وهو أن يفقد الموجود الحي ، الحس والشعور مع بقاء أصل الحياة مدّة من الزمان ، أياماً أو شهوراً ، أو سنين ، كما أنّه الظاهر من قصة أصحاب الكهف ، ورقودهم ثلاثمائة وتسع سنين ثم بعثهم عن الرقدة فالقصة تشبه القصة (٢).
__________________
(١) البقرة : ٢٥٩.
(٢) تفسير المنار : ٣ / ٤٩ ـ ٥٠.