وأنت تعرف أنّ تفسير الموت ب « السبات » ناشئ من موقف مسبق في هذا النوع من الموضوعات ، مع كونه خلاف ظاهر ( فَأَمَاتَهُ اللهُ ) وهو ظاهر في الموت الحقيقي المتعارف دون السبات الذي ابتدعه الأستاذ ، وقياسه على أصحاب الكهف قياس مع الفارق ، حيث إنّه سبحانه يصرح هناك بالسبات بقوله : ( فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ) (١).
ثم إنّه ارتكب مثل هذا التأويل في قوله سبحانه : ( وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً ) ، فمن أراد الوقوف عليه فليرجع إلى تفسيره.
النموذج السادس :
وليس ما ذكر هو الخطأ الأخير الذي وقع فيه الأستاذ في تفسير سورة واحدة ، وهي سورة البقرة ، فقد ارتكب مثل هذا التأويل البارد أيضاً في تفسير قول الله سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٢).
فقد ذهب الجمهور إلى أنّ إبراهيم طلب من ربّه أنْ يطلعه على كيفية إحياء الموتى ، فأمره الله تعالى بأن يأخذ أربعة من الطير فيقطعها أجزاء ويفرّقها على عدّة جبال هناك ثم يدعوها إليه فتجيئه ، وأنّه عليهالسلام قد فعل ذلك.
ولكن الأستاذ اتخذ رأياً خاصّاً نقل عن أبي مسلم أيضاً ، وهو : أنّه ليس في الآية ما يدل على أنّ إبراهيم عليهالسلام فعل ذلك ، وما كل أمر يقصد به الامتثال ، فإنّ
__________________
(١) الكهف : ١١.
(٢) البقرة : ٢٦٠.