من الخبر ما يأتي بصيغة الأمر لا سيما إذا أُريد زيادة البيان ، كما إذا سألك سائل كيف يصنع الخبز ؟ مثلاً فتقول : خذ كذا وكذا وافعل به كذا وكذا يكن خبزاً ، تريد هذه كيفيته ، ولا تعني تكليفه صنع الخبز بالفعل ، وفي القرآن كثير من الأمر الذي يراد به الخبر ، والكلام ها هنا مثل لإحياء الموتى.
ثم إنّه جاء بتفسير عجيب للآية ، إذ قال : معناه خذ أربعة من الطير فضمها إليك ، وآنسها بك حتى تأنس ، وتصير بحيث تجيب دعوتك ، فإنّ الطيور من أشد الحيوانات استعداداً لذلك ، ثم اجعل كل واحد منها على جبل ثم ادعها فانّها تسرع إليك ، لا يمنعها تفرّق أمكنتها ، وبعدها عن ذلك ، كذلك أمر ربّك إذا أراد إحياء الموتى ، يدعوهم بكلمة التكوين « كونوا أحياء » فيكونوا أحياء ، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة (١).
ثم إنّ الأستاذ اختار هذا المعنى قائلاً : إنّ تفسير أبي مسلم هو المختار !!
نحن لا نرد على هذا النظر بما في إمكاننا ، غير أنّا نكتفي في إبطال هذا التفسير بأنّه سبحانه قال في الآية : ( ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ) ولم يقل : واحداً منها ، وعلى ما ذكره يجب أن يقول : واحداً.
فإذا كان هذا هو مسلك الأستاذ الذي كان يعيش في بيئة علمية دينية تؤمن بالسنن والصحاح والمسانيد ، وموقفه من المعاجز والكرامات وخوارق العادة ، فكيف يكون يا تُرى موقف الجدد من الكتّاب الذي تأثروا بالحضارة الغربية المادية والأفكار الإلحادية الواردة من الشرق والغرب فصاروا إلى تأويل هذه المعاجز والخوارق على هذا النمط ، أسرع وأميل ؟!
__________________
(١) المنار : ٣ / ٥٤ ـ ٥٦.