من الشوائب والأغيار ، وأُخرى بوجوده المصفّى ، والذهب المصبوب المصفّى من تلك الزوائد والشوائب ، نفس الذهب في حالته الأوّلية.
ويدلّ على ما ذكرناه ـ من أنّ هنا شيئاً واحداً يظهر بوجودين ـ الآيات الواردة حول مسألة التجسم قال سبحانه : ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (١) وقال سبحانه : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ) (٢) وصريح الآيتين هو أنّ الحاضر هو نفس العمل ، كما أنّ المحضر نفس ما عملته النفس لا شيء آخر مغاير للوجود الدنيوي.
ويدل بوضوح على ذلك قوله سبحانه في حق مكتنزي الذهب والفضة : ( يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) (٣) فالمحمي الظاهر في شكل النار هو نفس ما اكتنز من الذهب والفضة كما هو صريح قوله : ( هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ ) ، وقوله : ( فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) لا شيئاً آخر ، ولا امتداداً لذلك الوجود.
وعلى ذلك فالقيادة الأخروية والشفاعة التي تنتزع من تلك القيادة صورة أُخروية لنفس القيادة والشفاعة الدنيوية ، وحقيقة عينية لها ، فإنّ الله سبحانه يوجد تلك القيادة بالوجود المناسب لهذا الظرف ، وعلى ذلك فظرف الشفاعة القيادية وموضع تكونها هو الحياة الدنيوية ، وما يظهر من القيادة يوم القيامة هو ظهور تلك الرابطة لا شيء آخر ، وعلى ذلك فلا يناسب تفسير آيات الشفاعة أو بعضها بمسألة تجسّم العمل وتجسّم الروابط والقيادات الموجودة في الحياة الدنيوية للبشر ، فسوق فرعون قومه يوم القيامة إلى النار هو تجسم للقيادة التي اتخذها فرعون لنفسه
__________________
(١) الكهف : ٤٩.
(٢) آل عمران : ٣٠.
(٣) التوبة : ٣٥.