رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (١) إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة على العفو في حق العصاة.
ومع ذلك لا مانع من شمول أدلّة الشفاعة لهم ، وأوضح دليل على العفو بدون التوبة قوله سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ) (٢) فانّ عطف قوله : ( وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ) على قوله : ( يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ) بواو العطف ، يدل على التغاير بين الجملتين ، وانّ هذا العفو لا يرتبط بالتوبة وإلاّ كان اللازم عطفه بالفاء.
وقال سبحانه : ( وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٣) ، فانّ الآية واردة في غير حق التائب ، وإلاّ فإنّ الله سبحانه يغفر ذنوب التائب جميعاً لا كثيرها مع أنّه سبحانه يقول : ( وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ).
فتلخص من ذلك انّه لا مانع من القول بجواز العفو في حق العصاة كما لا مانع من شمول آيات الشفاعة لهم.
نعم يجب إلفات النظر إلى نكتة وهي انّ بعض الذنوب الكبيرة ربّما تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه ، كما تقطع الأواصر الروحية مع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فصاحب هذه المعصية لا تشمله الشفاعة ، فيجب عليه ورود النار حتى يتطهر بالعذاب ، وتصفو روحه من آثار العصيان ويصير لائقاً لشفاعة الشافعين.
إلى هنا تم الكلام حول آيات الشفاعة وأصنافها وحقيقتها وأثرها في المطيع والعاصي. وبقي الكلام حول بعض الإشكالات التي آثارها بعضهم ، فيجب علينا التعرض لها على وجه الإجمال والإجابة عنها بما يقتضي المقام.
__________________
(١) الزمر : ٥٣.
(٢) الشورى : ٢٥.
(٣) الشورى : ٣٠.