والتحوّل.
والإجابة عن هذا التقرير واضحة جداً ، فكما انّ العقاب سنّة إلهية ، فكذلك المغفرة والعفو عن الجرم والمجرم في شرائط خاصة سنّة من السنن الإلهية ، فلا يعد الاعتراف بأحدهما نقضاً لسنته. والقائل جعل العقاب هو الأصل وتخيل انّ العفو والمغفرة نوع تغيير في سننه.
وان شئت قلت : إنّ قوله سبحانه : ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً ) (١) لا يهدف إلى أنّه ليس له إلاّ شأن واحد وعمل فارد لا يتجاوز عنه ( وهو عقاب المجرم في كل الأحايين ) بل هو سبحانه ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (٢) ، وقال سبحانه : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ ) (٣).
كيف وانّ لله سبحانه أسماء وصفات ، ولكل واحد منها تجل وظهور في عالم الكون ، فهو بما انّه المحيي والمميت ، فله تجل في الكون بالإحياء والإماتة وبما انّه القاهر والمنتقم والرؤوف والرحيم ، فله أيضاً تجلّيات في الكون ، ولا يعد كل تجلّ ناقضاً للآخر أو تحويلاً لسنته سبحانه ، وما هذا إلاّ لأن الكل سنن لا أنّ هناك سنة واحدة وهو الإحياء حتى تكون الإماتة ناقضة لها.
وهناك قصة قد رواها الأصمعي لا تخلو من صلة بالمقام ، قال الأصمعي : كنت في البادية وأقرأ القرآن عن ظهر القلب ، وكانت هناك امرأة من أهلها ، فقرأت قوله سبحانه هكذا : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ ) (٤) ـ والله غفور رحيم ـ فاعترضت وقالت بأنّه سبحانه لو كان
__________________
(١) فاطر : ٤٣.
(٢) الرحمن : ٢٩.
(٣) الرعد : ٣٩.
(٤) المائدة : ٣٨.