لا يعد تفريقاً في القانون ، وعملاً مخالفاً للتسوية فيه.
والذي يوضح ذلك انّه سبحانه قد فرق بين الذنوب وأخبر بأنّ بعضها لا يغفر أبداً إلاّ مع التوبة ، وإنّ بعضها يغتفر بدونها أيضاً ، قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً ) (١).
فهل يسوغ لنا أن نعترض على عدم التسوية بين المشرك وغيره في غفران ذنوب الثاني دون الأوّل ؟ كلا. فانّ المشرك قد قطع جميع علاقاته مع الله سبحانه دون غير المشرك.
وعلى الجملة فهذا الإشكال مبني على الغض عمّا ورد في الكتاب والسنّة من تقسيم الجرائم إلى الكبائر والصغائر ، وما ورد من أنّ الاجتناب عن الكبائر يوجب غفران الصغائر ، قال سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُدْخَلاً كَرِيماً ) (٢).
وربما يقرر هذا الإشكال بوجه آخر فيقال : إنّه جرت مشيئة الله الحكيمة على إجراء القوانين والسنن على نمط واحد قال سبحانه : ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً ) (٣) ، وعلى ذلك فقبول الشفاعة في حق بعض المجرمين نوع تغيير في السنن الحكمية الثابتة.
وأنت خبير إنّ هذا الإشكال هو نفس ما تقدم جوهراً ، وان كان يختلف عنه شكلاً ، فإنّ الأساس في التقرير الأوّل انّ الشفاعة تفرقة في القانون ، والأساس في هذا البيان هو انّ الشفاعة تبديل وتحويل لسنن الله التي لا يتطرق إليها التبدّل
__________________
(١) النساء : ٤٨.
(٢) النساء : ٣١.
(٣) فاطر : ٤٣.