وروي أيضاً عن عبد الله بن عباس أنّه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلميقول : « ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلاّ شفّعهم الله فيه » (١) أي قبلت شفاعتهم في حق ذلك الميت فيغفر له.
وعلى ذلك فلا وجه لمنع الاستشفاع من الصالحين إذا كان مآله إلى طلب الدعاء ، ولو كان للشفاعة معنى آخر من التصرف التكويني في قلوب المذنبين ، وتصفيتهم في البرزخ ، ومواقف القيامة فهو أمر عقلي لا يتوجه إليه إلاّ الأوحدي من الناس ، فكل من يطلب من النبي الشفاعة لا يقصد منه إلاّ المعنى الرائج.
الثاني : انّ الأحاديث الإسلامية وسيرة المسلمين تكشفان عن جواز هذا الطلب ، ووجوده في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد روى الترمذي في صحيحه عن أنس قوله : سألت النبي أن يشفع لي يوم القيامة ، فقال : « أنا فاعل » ، قال : قلت : يا رسول الله فأين أطلبك ؟ فقال : « اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط » (٢).
فإنّ السائل يطلب بصفاء ذهنه ، وسلامة فطرته من النبي الأعظم ، الشفاعة من دون أن يخطر بباله أنّ في هذا الطلب نوع عبادة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما زعمه الوهابيون.
وهذا سواد بن قارب ، أحد أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول مخاطباً إياه :
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة |
|
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٣) |
وروى أصحاب السير والتاريخ ، انّ رجلاً من قبيلة حمير عرف أنه سيولد في أرض مكة نبي الإسلام الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا خاف أن لا يدركه ، كتب رسالة وسلّمها لأحد أقاربه حتى يسلّمها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حينما يبعث ، وممّا جاء في تلك
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) صحيح الترمذي : ٤ / ٦٢١ ، كتاب صفة القيامة ، الباب ٩.
(٣) نقله « زيني دحلان » عن الطبراني في الكبير كما في التوصل إلى حقيقة التوسل : ٢٩٨.