وكيف كان فقد استدل على كون النبوة والرسالة مرتبتين مختلفتين ، وإنّ الرسول خصوص من ينزل عليه الملك ، بقوله سبحانه :
( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَىٰ إِلا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ (١) لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً ) (٢).
ومحصل مضمون الآيتين : انّ الذي يمنع الناس عن أن يؤمنوا برسالتك أنّهم يحيلون رسالة البشر من جانب الله ( حيث قالوا : ( أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً ) ) وقد أخطأوا في ذلك ، فإنّ مقتضى الطبيعة الإنسانية والأرضية وعناية الله بهداية عباده ، أن ينزل إلى بعضهم من أبناء جلدتهم ملكاً ، من السماء رسولاً لإرشادهم ، حتى أنّ الملائكة ، لو كانوا كالإنسان من حيث العيش على سطح هذه الأرض ، لنزّل الله إلى بعضهم ملكاً من السماء رسولاً حاملاً لوحيه ، وهذا يعطي أنّ الرسول إنسان ينزل عليه ملك من السماء بدين الله ثم هو يبلغه إلى الناس بأمر الله (٣).
قال في الكشاف في تفسير قوله : ( لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً ) يعلمهم الخير ويهديهم الرشاد ، فأمّا الإنس فما هم بهذه المثابة إنّما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة ، فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم (٤).
إلى غير ذلك من الكلمات حول الآية ، وهي تفيد أنّ رسالة أي فرد من البشر أو الملائكة القاطنين في الأرض إلى أمثالهم ، لا تستقيم إلاّ بنزول ملك من السماء يحمل رسالة الله إلى فرد مختار في الأرض يتحملها إلى أعداله وأمثاله.
__________________
(١) أي يمشون على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويتعلّموا ما يلزمهم علمه.
(٢) الإسراء : ٩٤ ـ ٩٥.
(٣) الميزان : ١٣ / ٢٢١.
(٤) الكشاف : ٢ / ٢٤٦.