ويشعر بذلك ما قاله موسى عليهالسلام عندما خاطبه سبحانه بقوله : ( أَنِ ائْتِ القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ) (١) أي أرسل إليه جبرئيل واجعله رسولاً مثلي واشدد عضدي به وقد أُجيبت دعوته حيث جعل سبحانه أخاه رسولاً مثله بقرينة قوله سبحانه : ( فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢) وقوله سبحانه : ( فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ ) (٣) ، وهذا الوجه يؤيده بعض الأحاديث المروية بطرق صحيحة سوف نشير إليها ونترجم رجال أسنادها حسب اقتضاء المقام.
هذا غاية ما يمكن أن يوجه هذا القول ، غير انّ في دلالة الآيتين على كون حقيقة الرسالة متقومة بنزول الملك على الرسول خفاء واضح.
فلأنّها سيقت لرد مزاعم بعض المشركين من امتناع أن يكون البشر رسولاً مبعوثاً من الله إلى الناس ، وانّه لابد أن يكون الرسول ملكاً لا بشراً ، بأنّ التماثل بين المرسل والمرسل إليهم أوفق في الغرض الذي لأجله بُعث الرسول ، لأنّ بين المتماثلين من التجاذب والتلاحم ما ليس في غيره ، ولأجل ذلك جرت حكمة الله على جعل الرسل بشراً ولو استقرت الملائكة في الأرض لجعل رسلهم من جنسهم أيضاً ملائكة ، وليست الآية بصدد تحديد مفهوم الرسالة وإنّها متقومة بنزول الملك إلى الرسول.
أضف إلى ذلك أنّ دلالة قوله : ( لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً ) على ما يرتئيه القائل مبنية على أن يكون الملك النازل من السماء ، رسولاً إلى الرسول
__________________
(١) الشعراء : ١٢ ـ ١٣.
(٢) طه : ٤٧.
(٣) الشعراء : ١٦.