أمّا الآيات التي تدور حول شؤون النظام الإسلامي والجهاد ومحاجة اليهود والنصارى والأحكام الشرعية والنظم الاجتماعية فهي مدنية غالباً.
ولقد تمكّن العلماء مؤخراً أن يحصلوا بمعونة هذا المعيار الدقيق ، على نتائج باهرة في مجال فهم النصوص القرآنية.
فإذا كان هذا هو الملاك في تشخيص مكية الآيات عن مدنيتها ، فهذا يقودنا ـ بيسر ـ إلى اعتبار كون الآية المبحوثة هنا مدنية لا مكية ، لأنّها تناسب ظروف المدينة ، ولا تناسب ظروف مكة ، إذ ليس من المعقول أن يتحدث النبي بمثل هذا الطلب في مكة حيث لم يكن قد آمن به بعد إلاّ نفر يسير لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع أو يزيد عن ذلك بقليل ، حيث كان يواجه أغلبية معادية ، مبالغة في عدائها ، متعنتة في خصومتها ، وأمّا النفر اليسير ، أعني : الجماعة القليلة المؤمنة ، فما كان يناسب طلب شيء منهم حتى المودَّة وهم على ذلك الضعف والمحنة الشديدة والتشرّد والمعاناة.
لندع الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولنأخذ أيَّ رجل بليغ آخر يعرف متى يتكلم وماذا يقول ، ترى هل من الصحيح أن يقول لجماعة لم تؤمن به بعد أو لجماعة قليلة مؤمنة كانوا يعذبون بألوان التعذيب : ( لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَىٰ ) سواء أفسرت الآية بعترة الرسول وأهل بيته ، أو غيرها من المعاني التي أبدعها بعضهم في تفسير الآية ؟
أجل انّ مثل هذا الطلب إنّما يصح أن يوجهه إلى الذين صدّقوه وآمنوا به وقبلوا دعوته وكانوا قد وصلوا إلى بعض الأهداف والنجاحات واستقرّت أُمورهم وصفا لهم الجو والحال.
وخلاصة القول : إنّ سؤال الأجر من جانب النبي وهو في إبّان الدعوة ليس أمراً بليغاً حيث لم يستتب له الأمر بعد ، ولم يحصل هناك هدوء ولا سكون له ولمن