آمن به واتبعه ، وإنّما هو مناسب لظرف آخر مثل أواخر عهد الرسالة.
الطريق الثاني : لتمييز مكيّة الآيات عن مدنيتها هو الرجوع إلى النصوص الواردة في هذا المورد عن العلماء وكبار المفسرين ، فإذا كان هو الميزان لمعرفة الآيات المكية من المدنية فإنّنا نجد المفسرين ـ وبالأخص أُولئك الذين ألّفوا كتباً حول مواضع نزول الآيات والسور ـ يقولون : إنّ سورة الشورى مكيّة إلاّ أربع آيات أُولاها قوله تعالى : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَىٰ ) فهذا إبراهيم بن عمر البقاعي الذي ألّف كتاباً في هذا المضمار وأسماه « نظم الدرر وتناسق الآيات والسور » يقول في كتابه هذا : سورة الشورى مكية إلاّ الآيات ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ و ٢٧ (١).
والواقع أنّه لم يكن البقاعي وحده هو القائل بمدنية هذه الآية ، وإنّما قال به عدّة من المفسرين منهم : نظام الدين النيسابوري ، صاحب التفسير الكبير يقول في ابتداء تفسيره لسورة الشورى : سورة الشورى مكية إلاّ أربع آيات ومنها آية المودّة في القربى نزلت في المدينة (٢).
ويقول الخازن في تفسيره : سورة الشورى مكية ، ونقل عن ابن عباس أنّ أربع آيات منها نزلت في المدينة أولاها : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَىٰ ) ( ثم يضيف قائلاً ) : وليست هذه الآيات الأربع مدنية فحسب بل هناك آيات أُخرى نزلت بالمدينة أيضاً ، فقد ذهب فريق إلى أنّ الآيات من ٣٩ إلى ٤٤ أيضاً مدنية (٣).
__________________
(١) راجع تاريخ القرآن للزنجاني : ٥٨. والبقاعي هذا هو برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الشافعي ، ولد عام ٨٠٩ ه ، وتوفّي في دمشق عام ٨٨٥ ه. قال في كشف الظنون : ٢ / ٦٠٥ : وهو كتاب لم يسبقه إليه أحد جمع فيه من أسرار القرآن ما تتحير فيه العقول.
(٢) تفسير النيسابوري : ٣ / ٣١٢.
(٣) تفسير الخازن : ٤ / ٩٤.