الاختياري لا يقع تحت دائرة الطلب مطلقاً ، لا تحت دائرة الأمر ولا تحت دائرة النهي ، بينما نرى القرآن ينهى عن مودة الكفّار وأعداء الله ويقول وهو يصف المؤمنين : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١).
كما يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ ) (٢).
والآية الأولى وإن كانت تخبر في الظاهر عن أحوال المؤمنين إلاّ أنّ المقصود منها هو الحث على الاجتناب عن مودتهم ومحبتهم.
إذا كانت المودة ـ لأجل كونها أمراً خارجاً عن الاختيار ـ لا يتعلق بها الأمر لماذا نجد الرسول العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم يدفع المسلمين إلى التوادد والتحابب ممثلاً لذلك بمثل جميل ورائع حيث يقول :
« مثل المؤمنين في توادّهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » (٣).
وهذا الحديث ونظائره كثيرة في الأحاديث الإسلامية ، وكلّها تعطي أنّ المودة موضوع قابل للطلب ، كما أنّ المحدثين عقدوا في موسوعاتهم الحديثية أبواباً من قبيل باب « الحب في الله » وباب « البغض في الله » وأدخلوا في هذه الأبواب مجموعات كبيرة من الأحاديث التي تبدو منها بجلاء الدعوة إلى التوادد والتحابب بين الأمّة الإسلامية ونبذ الكفار وعدم موالاتهم.
__________________
(١) المجادلة : ٢٢.
(٢) الممتحنة : ١.
(٣) مسند أحمد : ٤ / ٧ ، والتاج : ٥ / ١٧ ، نقلاً عن صحيحي البخاري ومسلم.