ومع ذلك كيف يصح أن يقال أنّ الرسول بدَّل هذا الشعار الذي ظل يتمسّك به كل الرسل على طول التاريخ ، وجعل مودة أقربائه أجراً على رسالته ، أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأعظم نفسه يصرح بأمر من الله بأنّه لا يسأل أجراً ويقول : ( لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (١).
الجواب : انّ الأجر في اللغة هو العوض الذي يتلقّاه المرء لقاء عمل يؤدّيه ، وهو بمفهومه يشمل كل الأجور الدنيوية والأخروية ، بيد أنّ المقصود بالأجر المنفي في هذه الآيات ، بقرينة توجيه الخطاب إلى البشر ، هو الأجر الدنيوي الذي كان بإمكان البشر تقديمه إلى الرسل ، ولا شكّ أنّ الرسول لم يطلب من أحد مثل هذه الأجور الدنيوية كما لم يطلب أيضاً إخوانه من الرسل ذلك من قبل.
ولفظ الأجر في الآية وإن كان يشمل الأجور الدنيوية كلَّها حتى التكريم والتبجيل لنفسه وقومه وأقربائه ، وعند ذاك تكون المودَّة داخلة في المستثنى منه قطعاً.
غير انّ المطلوب في الآية ليس نفس المودة والولاء لأقربائه بما هي هي حتى يعود أجراً دنيوياً مطلوباً ويصير طلبها من الأمة مصادماً للآيات الحاكية عن رفض الأنبياء للأجر بتاتاً بل المودَّة في القربى وسيلة لاتصال الأمّة بعترة النبي ، ويكون نفس ذلك الاتصال ذريعة لتكامل الأمّة في المراحل الفكرية والعملية ، فعندئذ تنتفع الأمّة الإسلامية بها قبل أن تنتفع به العترة ، فحينئذ لا تكون المودّة في القربى أجراً حقيقياً وان أُخرجت بصورة الأجر.
هذا هو مجمل الجواب ، وأمّا التفصيل فيبين في ضمن أمرين :
الأوّل : انّ الأجر وإن كان يطلق على الأجر الدنيوي والأخروي ، ولكن
__________________
(١) الأنعام : ٩٠.