ولا يخفى على العارف البصير أنّ سؤال الأجر ممن يكذبونه ولا يؤمنون به ويبغضونه ودعوته ، ويرونه خطراً على كيانهم ، لا يصدر من عاقل ، فضلاً عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ الاستثناء سواء أكان متصلاً أم منفصلاً ، إمّا أجر حقيقي للنبي ، أو شبيه له ، وطلب الأجر بكلا المعنيين لا يصح إلاّ ممن أسدى إليه طالبه شيئاً من الخدمة المادية أو المعنوية ، فيصح عندئذ أن يطلب منه شيئاً تجاه ما قدّم له ، وأمّا طلبه ممن لا يؤمن به ولا يراه أسدى له خدمة ، فلا يصح في منطق العقل والعقلاء ، فطلب الأجر على فرض البغض والعداء لا يصح ، وعلى فرض الإيمان به فالمودّة حاصلة لا حاجة لطلبها.
الثاني : أتت الأنصار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمال جمعوه فقالوا : يا رسول الله قد هدانا الله بك وأنت ابن اختنا وتعروك نوائب وحقوق ومالك سعة ، فاستعن بهذا على ما ينوبك. فنزلت الآية ، وردّه (١).
وهذا المحتمل كسابقه من الضعف ، فانّ مودة الأنصار للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلمكان أمراً حاصلاً فلم يكن النبي في حاجة إلى طلبها منهم ، كيف وهم الذين بذلوا دون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم النفس والنفيس ، وآووه ونصروه ، وفدوه بشبّانهم في طريق دعوته ، فإذا كانت الحالة هذه ، فلا وجه لطلب المودّة منهم.
على أنّ الوشيجة التي كانت تربطهم بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تكن قوية بل ضئيلة جداً ، إذ كانت العرب لا تعتني بالقرابة من ناحية النساء وكان منطقهم :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أولاد الرجال الأباعد |
ومنهم من يقول :
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٨٩ ؛ مفاتيح الغيب : ٧ / ٣٨٩. ومعنى الآية على هذا التفسير « إلاّ أن تودوني لأجل قرابتي منكم ».