حاكياً عن اهتمام النبي بهداية المؤمنين : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (١).
على أنّ إرادة هذا المعنى تحوجنا إلى التصرّف في الآية بجعل « إلاّ » بمعنى « لكن » والقول بأنّ الخبر محذوف ، وتقدير الآية هكذا ، ولكن المودّة في القربى دفعتني إلى دعوتكم وهدايتكم. وهذا تكلّف واضح في تفسير الآية.
الرابع : أنّ المقصود مودّة كل واحد من المسلمين لأقربائه ، وهو عبارة أُخرى عن صلة الرحم التي دعا إليها الإسلام (٢).
ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال لا يساعده اللفظ ولا الذوق القرآني ، فإنّ عد مودّة الناس لأقربائهم أجراً للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يستحسنه الذوق السليم ، فإنّ المودّة إمّا أجر حقيقي أو أجر غير حقيقي ( أي حكمي ) أخرج بصورة الأجر ، وعلى كلا التقديرين إنّما يصح الاستثناء إذا كان المستثنى عائداً إلى النبي إمّا حقيقة ، أو مجازاً ، ومودّة كل مسلم لأقربائه وإن كان أمراً مطلوباً بذاته في الشرع الأقدس ، لكنّه لا يصح أن يعد أجراً ، أو يخرج بصورة الأجر ، فإنّ الاستثناء كما أوقفناك على حقيقته هو إخراج ما لولاه لدخل ، والإخراج حقيقة أو حكماً فرع الدخول كذلك ، وقد قلنا إنّ المستثنى المنقطع ، منقطع حقيقة لا ظاهراً وحكماً ، وانّ المستثنى منه شامل للمستثنى المنقطع شمولاً حكمياً ولو في وهم المخاطب فإذا قال القائل : جاء القوم إلاّ مراكبهم ومواشيهم ، إنّما يصح هذا القول لإجل توهم شمول الحكم ( أعني المجيء ) لمراكبهم ومواشيهم ، أو خدّامهم ، فإنّ القبيلة إذا ارتحلت من مكان إلى مكان آخر فإنّما ترتحل مع مواشيها وما يتعلّق بها ، فالحكم بالمجيء على
__________________
(١) يوسف : ١٠٣.
(٢) مفاتيح الغيب : ٧ / ٣٩٠ ذكره في توجيه طلب الأجر للرسالة حيث قال : لأنّ حصول المودة بين المسلمين واجب وقال تعالى : ( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ).