السامع عند سماع كلمة الأجر إلى مثل ذاك الأمر حتى يصح الاستدراك ، بخلاف مودّة أهل بيته وعترته ، فإنّها ممّا يسعه اللفظ بعموم معناه.
على أنّه لم يعهد من القرآن حث الأفراد على موالاة ومودة أقربائهم بما هم أقرباؤهم ، وإنّما أمر بموالاة المؤمنين وموادّتهم ، نعم للقرآن اهتمام شديد بصلة الرحم ، ودفع عيلة ذوي القربى وحاجاتهم وهو غير موالاتهم القبلية.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه حينما يأمر بصلة الرحم جعل الغاية من هذا الأمر وجه الله وحده لا بعنوان الأجر للرسالة حيث قال :
( وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ( حب الله ) ذَوِي القُرْبَىٰ وَاليَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ ) (١).
وقال سبحانه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (٢). (٣)
ثم إنّ جعل الآية كناية عن صلة الرحم وإسداء الخدمة إلى ذوي القربى لا يتحمله اللفظ ولا يقوم به ظاهر الآية.
الخامس : انّ المقصود أنّني لا أطلب منكم أجراً فإنّما هدفي هو إيجاد التآلف والتحابب وحسن المعاشرة بين أفراد البشر ، فكل ما أطلبه هو أن أزيل بهذا القرآن كل الضغائن والعداوات من بينكم ، وأحلّ محلها المودة بين قبائلكم.
ولا يخفى أنّه لو كان المراد هو توحيد الأمّة وجمع شملهم لكان ينبغي أن يعبّر عنه بأسدّ العبارات وأتقنها ، كأن يقول : لا أسألكم عليه أجراً إلاّ الاعتصام بحبل الوحدة وصيانة الاخوة الإسلامية ، وما يفيد هذا المعنى.
__________________
(١) البقرة : ١٧٧.
(٢) الإنسان : ٨.
(٣) الاستدلال مبني في كلتا الآيتين على رجوع الضمير في « حبه » إلى الله لا إلى المال أو الطعام.