شفيع إلاّ بإذنه ، فأخذ بتحطيم الوثنية ورفض عبادة الأصنام ، وأنّها أجسام بلا أرواح لا يملكون شيئاً من الشفاعة والمغفرة ، ولا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم فضلاً عن عبدتهم ، فصارت دعوته ثقيلة على قريش وأذنابهم ، حتى ثارت ثائرتهم على النبي الأكرم ، فقابلوا براهين النبي بالبذاءة والشغب والسب والنسب المفتعلة ، فوصفوه بأنّه كاهن وساحر ، ومفتر وكذّاب ، وقد أعربوا عن نواياهم السيئة عندما رفعوا الشكوى إلى سيّد الأباطح وقالوا : إنّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامَنا وضلل آباءَنا ، فإمّا أن تكفّه عنا وإمّا أن تخلّـي بيننا وبينه (١).
ولمّا وقف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على كلام قومه عن طريق عمّه أظهر صموده وثباته في طريق رسالته بقوله : « يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته » قال : ثم استعبر فبكى ، ثم قام. فلمّا ولى ناداه أبو طالب فقال : اقبل يابن أخي ، قال : فأقبل عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : اذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله ما أُسلّمك لشيء أبداً » (٢).
فلمّـا وقفت قريش على صمود الرسول شرعوا بالمؤامرة والتخطيط عليه حتى قصدوا اغتياله في عقر داره ، فنجّاه الله من أيديهم.
ولمّا استقرَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في يثرب واعتز بنصرة الأنصار ومن حولها من القبائل جرت بينه وبين قومه حروب طاحنة أدّت إلى قتل صناديد قريش وإراقة دمائهم على وجه الأرض في « بدر » و « أحد » ووقعة « الأحزاب ».
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٦٥.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ١ / ٢٨٥ من الطبعة الحديثة.