وكان كل جد من أجداده من لدن آدم يأخذ العهد والميثاق أن لا يوضع ذلك النور المحمدي إلاّ في الطاهرات ، فأوّل من أخذ العهد آدم ، أخذه من شيث ، وشيث من أنوش ، وهو من « قينن » ، وهكذا إلى أن وصلت النوبة إلى عبد الله بن عبد المطلب ، فلمّا أُودع ذلك الجزء ، في صلبه لمع ذلك النور من جبهته ، فظهر له جمال وبهجة ، فكانت نساء قريش يرغبن في نكاحه ، وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف « آمنة » بنت وهب ، فتزوجها عبد الله.
وقد روى الترمذي عن العباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم تخيّر القبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم تخيّر البيوت ، فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً ». أي ذاتاً وأصلاً.
وقد دلّت الآيات والأحاديث على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كما طابت ذاته الشريفة ، بما أُوتي من الكمال الأعلى ، كذلك طاب نسبه الشريف ، فلم يكن في آبائه ولا أُمهاته من لدن آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، إلاّ من هو مصطفى مختار قد طابت أعراقه ، وحسنت أخلاقه.
أخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال : استجاب الله تعالى دعوة إبراهيم في ولده ولم يعبد أحد منهم صنماً بعد دعوته ، واستجاب له وجعل هذا البلد آمناً ورزق أهله من الثمرات وجعله إماماً وجعل من ذريته من يقيم الصلاة.
قال السيوطي : وهذه الأوصاف كانت لأجداده صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة دون سائر ذريّة إبراهيم ، وكل ما ذكر عن ذريّة إبراهيم من المحاسن فإنّ أولى الناس به سلسلة الأجداد الشريفة ، الذين خصّوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحداً بعد واحد ، ولم يدخل ولد إسحاق وبقية ذريته لأنّه دعا لأهل هذا البلد ، ألا تراه قال : ( اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا ) وعقّبه بقوله : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ