الدين أو وصياً أو خليفة في الأرض تقضي بين الناس في مراجعاتهم بحكم الله.
وبعبارة أُخرى : لا يصحّ أن يقال لنبي من لوازم نبوته كونه مطاعاً بعد نبوته إنّي جاعلك مطاعاً في الناس بعد ما جعلتك كذلك. ولا يصحّ أن يقال له ما يؤول إليه معناه وان اختلف معه في العبارة ، فهذه المواهب ـ أمثال الإمامة الإلهية ـ ليست مقصورة على مجرد المفاهيم اللفظية بل تصحبها المعارف الحقيقية.
الثاني : انّا نجد في كلامه تعالى انّه كلّما تعرّض لمعنى الإمامة تعرّض معها للهداية تعرضاً تفسيرياً ، قال تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (١) ، وقال سبحانه : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ ( أي بني إسرائيل ) أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، فوصفها بالهداية وصف تعريف ثم قيّدها بالأمر ، فبيّن إنّ الإمامة ليست مطلق الهداية ، بل الهداية الّتي تقع بأمرالله والتعرّف على أنّ الإمام هو الهادي « بأمر الله » هو المهم في فهم معنى الإمامة.
الثالث : انّه سبحانه بيّن سبب هبته الإمامة بقوله : ( لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) فبيّن أنّ الملاك في ذلك هو صبرهم في جنب الله وكونهم قبل ذلك موقنين : وقال سبحانه في حق إبراهيم : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ) (٣) ، فإراءة الملكوت لإبراهيم كانت مقدّمة لإفاضة اليقين عليه ، وقد علمت أنّ كونهم موقنين أحد أسباب إمامتهم.
الرابع : انّ « الأمر » الّذي يكون الإمام به هادياً ليس بمعنى الإذن ، بل المراد
__________________
(١) الأنبياء : ٧٢ ـ ٧٣.
(٢) السجدة : ٢٤.
(٣) الأنعام : ٧٥.