تحليل هذه النظرية
لا شك أنّ النفوس القوية تستطيع أن تؤثر في القلوب المهيّأة وتسيّرها نحو الكمال ، لكن البحث في تفسير الإمام الوارد في الآية الكريمة بالمتصرف في القلوب والهادي لها تكويناً ومسيرها نحو الكمال ، فانّه لا شاهد لذلك التفسير.
أمّا أوّلاً : فانّ قوله : ( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) في مقام الثناء عليهم بأنّهم لا يصدرون في أمرهم ونهيهم إلاّ عن إذنه تعالى ، فلأجل ذلك صاروا هداة واقعيين ، فمنطقهم صواب ، وفعلهم وتقريرهم حجة وكل ما يمت إليهم هداية ، وأين ذلك من كون الجملة في مقام بيان حقيقة الإمامة وانّها عبارة عن القدرة التكوينية الّتي يستطيع بها الإنسان الكامل أن يؤثر في النفوس المهيّأة لسوقها نحو الكمال.
ويظهر ما ذكرنا من رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام حيث قال : « إنّ الأئمّة في كتاب الله عزّوجل إمامان : قال الله تبارك وتعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (١) لا بأمر الناس يقدّمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم ، قال : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (٢) يقدّمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجل » (٣).
ويقول العلاّمة المجلسي رحمهالله حول الرواية : أي ليست هدايتهم للناس وإمامتهم بنصب الناس وأمرهم ، بل هم منصوبون لذلك من قبل الله
__________________
(١) الأنبياء : ٧٣.
(٢) القصص : ٤١.
(٣) الكافي : ١ / ٢١٦.