السياسية ، ورفضوا الدين من أساسه ، ولعل بعض السبب هو أنّهم وجدوا في أنفسهم صراعاً عنيفاً بين العقيدة والوجدان ، فمن جانب توحي إليهم فطرتهم وعقيدتهم الإنسانية السليمة ، إلى أنّه تجب مكافحة الظالمين ، والخروج عليهم ، ونصرة المظلومين ، وأخذ حقوقهم من أيدي الظالمين ، ومن جانب آخر يسمعون من علماء الدين أو المتزيّين بلباسه ، أنّه لا يجوزالخروج على السلطان ، بل تجب طاعته وإن أمر بالظلم والعدوان ، فحينئذ يقع الشاب في حيرة من أمره بين اتّباع الفطرة والعقل السليم ، واتّباع كلام هؤلاء العلماء الذين ينطقون باسم الدين خصوصاً إذا كان المتكلم رجلاً يكن المجتمع له الاحترام والإكبار ، ويعرفه التاريخ بالخطيب الزاهد كالحسن البصري ، فإنّه عندما سئل عن مقاتلة الحجّاج ذلك السيف المشهور على الأُمّة والإسلام فأجاب : « أرى أن لا تقاتلوه ، فإنّها إن تكن عقوبة من الله ، فما أنتم برادّيها ، وإن يكن بلاءً فاصبروا حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين » فخرج السائلون من عنده وهم يقولون مستنكرين ما سمعوا منه : أنطيع هذا العلج ، ثم خرجوا مع ابن الأشعث على قتال الحجاج (١).
فإذا سمع الشاب الثوري هذه الكلمة من عميد الدين وخطيبه ـ كما يقال ـ عاد يصف جميع رجال الدين بما وُصِفَ به الحسن البصري ، وبالتالي يخرج من الدين ويتركه ، ويصف الدين سناداً للظالم وملجأ له.
وفي الختام نوجّه نظر الأعلام من السنّة إلى خطورة الموقف في هذه الأيام ، وأنّ أعداء الإسلام لبالمرصاد يصطادون الشباب بسهام الدعاية الكاذبة ، ويعرّفون الإسلام بأنّه سند الظالمين ، وركن الجائرين بحجة أنّه ينهى عن الخروج على السلطان الجائر.
__________________
(١) الطبقات الكبرى : ٧ / ١٦٤.