إنّ صحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما عن الله شيئاً ، قال سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١).
إنَّ التشرّف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازاً وتأثيراً من التشرّف بالزواج من النبي ، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (٢).
٣. انّ أساتذة العلوم التربوية كشفوا عن قانون مجرّب وهو أنّ الإنسان الواقع في إطار التربية ، إنّما يتأثّر بعواملها إذا لم تكمل شخصيته الروحية والفكرية ، لأنّ النفوذ في النفوس المكتملة شخصية والتأثير عليها والثورة على أفكارها وروحياتها ، يكون صعباً جداً ( لا أقول أمراً محالاً ) بخلاف ما إذا كان الواقع في إطارها صبيّاً يافعاً ، أو شاباً في عنفوان السن ، إذ عندئذ يكون قلبه وروحه كالأرض الخالية ينبت فيها ما أُلقي بها ، وعلى هذا الأساس لا يصح لنا أنْ نقول : إنّ الصحبة والمجالسة وسماع بعض الآيات والأحاديث ، أوجدت ثورة عارمة في صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأزالت شخصياتهم المكونة طيلة سنين في العصر الجاهلي ، وكوّنت منهم شخصيات عالية تعد مثلاً للفضل والفضيلة ، مع أنّهم متفاوتون في السن ومقدار الصحبة ، مختلفون في الاستعداد والتأثّر ، وحسبك أنّ بعضهم أسلم وهو صبيٌ لم يبلغ الحلم ، وبعضهم أسلم وهو في أُوليات شبابه ، كما أسلم بعضهم في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم إلى أن أسلم بعضهم وهو شيخ طاعن في
__________________
(١) التحريم : ١٠.
(٢) الأحزاب : ٣٠.