السن يناهز الثمانين والتسعين.
فكما أنّهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للإسلام ، كذلك كانوا مختلفين أيضاً في مقدار الصحبة فبعضهم صحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة ، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة ، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة ، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة ، وربما أدركوا من الصحبة سنة اوشهراً أو أياماً أو ساعة ، فهل يصح أن نقول : إنّ صحبة ما قلعت ما في نفوسهم جميعاً من جذور غير صالحة وملكات رديئة وكوّنت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح ؟
إنّ تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلّهم أشبه شيء بمادة كيمياوية تستعمل في تحليل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب ، فكأنّ الصحبة قلبت كلَّ مصاحب إلى إنسان مثالي يتحلّى بالعدالة ، وهذا ممّا يردّه المنطق والبرهان السليم ، وذلك لأنّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الإعجاز ( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (١) ، بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق وصبّهم في بوتقات الكمال مستعيناً بالأساليب الطبيعية والإمكانيات الموجودة ، كتلاوة القرآن الكريم ، والنصيحة بكلماته النافذة وسلوكه القويم ، وبعث رسله ، ودعاة دينه إلى الأقطار ، ونحو ذلك ، والدعوة القائمة على هذا الأساس ، يختلف أثرها في النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلياتها ، فلا يصح لنا أن نرمي الجميع بسهم واحد.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة : أنّ الأُصول التربوية تقضي بأنّ بعض الصحابة يمكن أن يصل في قوّة الإيمان ورسوخ العقيدة إلى درجات عالية ، كما
__________________
(١) الأنعام : ١٤٩.