والشجن ، أمّا مدننا فإنّها تلبس أبراد السواد ، وتنصب فيها المآتم والمجالس والمنابر في كلّ محلّة وزقاق.
وسيراً على دين الآباء والأجداد كنّا نجدّد الحزن والعزاء كلّ عام على أبي الأحرار وسيّد الشهداء (عليه السلام) ، وتبلغ الذروة ليلة العاشر من المحرّم ، اليوم الذي قتل به أبو عبدالله (عليه السلام) والثلّة المؤمنة من أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) ، بحيث كنّا نرى السماء ـ اعتقاداً بريئاً فطريّاً ـ وقد اصطبغت باللون الأحمر تأسّياً بالحسين (عليه السلام) ، الذي ضحّى بدمائه الزاكيات ; لتورق شجرة الدين وتسمو القيم الحقّة وتُنشر المبادئ الإنسانيّة المقدّسة ، فنبقى نحيا تلك الليلة وذلك اليوم بالألم والحزن والبكاء وهكذا تستمرّ مظاهر العزاء والمجالس والبرامج المختلفة حتى أواخر شهر صفر.
وللطفولة حدودها وخصائصها وعالمها ، كنّا نفعل كلّ شيء ـ على نحو الحقيقة والظاهر ـ لنثبت حبّنا وولاءنا لأهل البيت (عليهم السلام) .. ومن فرط هيمنة اسم الحسين (عليه السلام) على قلبي وأحاسيسي وكثرة تداول قضيّته وعظمة مأساته كنت أعتقد أنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) هو ابن الحسين (عليه السلام) ، وليس العكس ، ولمّا نلتُ سهمي من النضج وعلمت الواقع وجدت أميرالمؤمنين (عليه السلام) أشمخ مما يجول في اُفقي المتواضع ; إذ ولد إنساناً عظيماً استطاع حفظ الدين والرسالة.
ومن شدّة الانغماس ببرامج محرّم الحرام والانهماك في تسجيل حضور فاعل فيها ما كان تفكيري البريء يقبل بأنّ حادثة كربلاء قد