هناك من يسلك الطريق الماراثوني في التدوين ، وآخر يسلك المختصر السريع منه ، وثالث يختار ما بينهما ، ولكلّ منها خصائصه ومميّزاته ، والأمر أشبه بعدّائي المسافات الطويلة والقصيرة والمتوسّطة :
فالأوّل يمتلك الصبر وطول النفس والمهارة في توزيع القوى وإجادة الحسم في اللحظات الأخيرة.
والثاني يمركز قدراته وقابليّاته ويفرز غاية عصارتها خلال تلك المسافة القصيرة التي لا تتجاوز المئة أو المئتي متر.
أمّا الثالث فيسعى للجمع بين خصائص الأوّل والثاني.
وهكذا تكون آلية عرض المشروع الفكري والثقافي والمعرفي والعلمي ، فهناك من يسلك مسلك عدّاء المسافات الطويلة بما له من خصائص الصبر وطول النفس وتوزيع القوى وحسن الإنهاء .. على أنّ الصبر الفكري وطول النفس الفكري وتوزيع القوى الفكرية وحسن إنهاء الفكرة كلّ واحد منها عنصر محوري ذو تفصيلات واسعة. وكذا الذي يسلك مسلك عدّاء المسافات القصيرة ، فلابدّ له أن يجيد فهم العصارة الفكريّة التي توصل المراد والمطلوب إلى المقصد بذات الكيفيّة التي يوصلها ذلك الماراثوني ، بل لربما أدقّ وأنفذ وأجدى ، وهكذا الذي يجمع بين الاُسلوبين ، فإنّه لابدّ أن يستوعب معنى الجمع وأساليبه وأدواته ولوازمه كي ينال الثمار المرجوّة.