الريّ ، ثم بغداد والنجف والحلّة وجبل عامل واصفهان والبحرين وكربلاء ، وانتهاءً بقم في عصرنا الحاضر.
والملاحظ أنّ حركة الفقه والاجتهاد قد انبثق منها محوران أساسيان خلال مسيرتها المباركة ، كلّ واحد منهما يمثّل مصداقاً بارزاً وعنواناً مضيئاً لهذه المؤسّسة ، بما له من الميزة والاختصاص ، من دون أن يكون منافياً للآخر ، فهما صنوان لا يفترقان.
أحدهما : الفقه الفتوائي.
وهو الذي يعنى ببيان الأحكام والفتاوى الشرعيّة من دون التعرّض إلى أدلّتها بالنقض والإبرام ; ويعرف من خلاله ـ وعند ذوي الاختصاص ـ مدى دقّة مصنّفه وقوّة مبانيه وبراعته في إرجاع الفرع إلى الأصل.
ومصاديقه كثيرة ، منها : المقنعة للشيخ المفيد ، النهاية والمبسوط لشيخ الطائفة الطوسي ، المهذّب لابن البرّاج ، المختصر النافع للمحقّق الحلّي ، القواعد والتبصرة للعلاّمة الحلّي ، واللمعة للشهيد الأوّل .. وغيرها ، مضافاً إلى الرسائل العملية لفقهائنا المعاصرين.
وقد يكون الغرض في بعض تلك المصنّفات صيرورتها دستوراً عمليّاً لعامّة المؤمنين الذين لا بُدّ لهم من الرجوع إلى فتاوى الفقهاء ، وذلك مثل : الرسائل العمليّة للفقهاء المعاصرين.
وفي بعضها الآخر ـ ولأجل أنّ عباراتها كانت مضغوطة معقّدة ، لم تكن ملائمة لعامّة الناس ـ صيرورتها متوناً دراسيّة لطلاّب الفقه ، وذلك مثل : قواعد الأحكام وتبصرة المتعلّمين.