سئمنا البروج العاجية ، سئمنا من وصفنا لجمهورنا بـ «عوام الناس» ، آه لو علم هذا الجمهور ـ ولعلّني أراه يعلم ـ أنّنا مختبئون خلف القشور والمظاهر الكاذبة ، آه لو علم أنّ غالبنا لا يفقه شيئاً!!
هذا الجمهور الذي دائماً ما نستخفّ به قد أخذ بأيدينا إلى ما كنّا نحلم به ، صوّت لنا بنسبة نجوميّة قياسيّة ، فلِمَ نخشى هذه وتلك؟ أين ثقتنا بجمهورنا وثقة جمهورنا بنا؟!
فكما قال تبارك وتعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً) لن ينفعنا بعدها فقهنا واُصولنا وعلم رجالنا إن لم نفعل شيئاً ، وسيلفظنا أبوتراب وآلة الأخيار لفظ قاطع غير مستأثم ولا نادم ، وسيطال رقابنا الغلاظ سيف الحقّ المحمّدي الذي يظهر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، لا فرق آنذاك بين المالئين لها ظلماً وجوراً سواء كنّا نحن أم غيرنا (مَالِ هذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) نعم ، يحصي الصغيرة والكبيرة التي لنا أم علينا ، فلا نفوذ حالئذ ولا مجاملات ولا اُسريّات ولا رغبات ، الكلّ خاضع للملاك الساطع (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ أَتْقَاكُمْ) ، سترحل الضبابيّة والشأنيّة والتورية والقشور والمظاهر والشهوات والمراهقات وتصفية الحسابات والغيظ والحسد وسائر الصفات الذميمة دون رجعة وتحلّ محلّها أخلاق المدينة الفاضلة التي طال انتظارها فطالت آهاتنا وآلامنا.