أقول :
كتاب النجّاشي أنفع الاصول الرجاليّة الأربعة ، وأتقنها وآخرها تأليفا ، (١) فقد تعرّض لترجمة أكثر من ألف ومأتين وأربعين راو ومؤلّف (٢) ووثّق ومدح (٣) أكثر من ستمائة وأربعين رجلا ، وضعّف ما يقرب من مئة شخص (٤) مع أنّه لم يلتزم في أوّل كتابه بذكر التّوثيق والتّجريح ، كالشّيخ الطوسي.
نعم ، وعد به في أوّل الجزء الثّاني من كتابه ، ثمّ إنّك ترى النجّاشي يوثّق الرجل بلا نسبة إلى أحد إلّا نادرا ، ولكنّه ينسب التضعيف إلى غيره في جملة كثيرة من الموارد ولعلّها الأغلب (٥). وقيل رتّبه القهباني وداود بن الحسن الجزائري المعاصر لصاحب الحدائق والشّيخ محمّد تقي الخادم الأنصاري.
وقد أشار القهباني في آخر ترجمته إلى المواضع الّتي فيها ذكر لبعض الرّواة ، فإنّ النجّاشي كثيرا ما يتعرّض لمدح رجل ، أو قدحه في ترجمة آخر بمناسبة.
__________________
(١) ولد النجّاشي في صفر ٣٧٢ ه وتوفّي في جمادي الأوّلى ٤٥٠ قرب بلدة سامراء. والشّيخ الطّوسي ولد في رمضان ٣٨٥ ه وتوفّى في عام ٤٦٠ ه. لكن فهرست النجّاشي متأخرة عن كتابي الشّيخ الطّوسي كما يظهر من ترجمة الشّيخ في فهرس النجّاشي ، لكن الشّيخ لم يترجم النجّاشي ، مع أنّه من مشائخه ، كما حكي عن إجازة العلّامة الكبيرة.
نعم ، هنا مشكلة ينبه عليها السّيد الأستاذ (دام ظلّه) في معجمه ، وهو قول النجّاشي في ترجمة محمّد بن زهرة بن حمزة الجعفري : مات رحمهالله يوم السبت السادس عشر من رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، ودفن في داره ، ويمكن حمله على اشتباه القلم ، والله العالم.
(٢) وعدّهم المعلّق في الطبعة الأخيرة في بيروت ١٢٧٠ شخصا ، والمعلّق الآخر في طبعة جامعة المدرّسين بقم ب ١٢٦٩.
(٣) أو يستفاد المدح من كتابه كما في مشائخه على رأي السّيد الأستاذ وغيره ، ولعلّني لم أعدهم في العدد المذكور في المتن ، فإنّي لا أقبل هذا الاستظهار ، كما تقدّم في البحث السادس.
(٤) لم نحذف المكرّرات إن كانت.
(٥) قيل : إنّ النجّاشي يعتمد في توثيق شخص أو تضعيفه على مشايخه ، كما يظهر من نقله عن كثير من الأشخاص كابن الغضائري ، والكشّي ، وابن عقدة ، وابن نوح ، وابن بابويه ، وأبي المفضل ، وغيرهم.
وكذلك عن كتب جمّة ، وقد أحصيناها فبلغت أكثر من عشرين كتابا ، كرجال أبي العبّاس ، وابن فضّال ، والعقيقي ، والطبقات لسعد بن عبد الله ، والفهرست لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه ، ولحميد بن زياد ، ولابن النديم ، ولابن بطة ...
أقول : إنّ تمّ ذلك يشكل الاعتماد على توثيقاته ، فإنّ مصادره بين ما هو صحيح وثقة ، وبين ما هو ضعيف ، وبين ما هو مجهول ، والعلم الإجمالي يمنع عن الأخذ بها.