كلاهما ـ وابن النديم ؛ لعدم ثبوت وثاقة هؤلاء على الأصحّ ، وكذا لا نقبل شهادة أحد لنفسه ؛ لأنّها تستلزم الدور. فإذا نقل راو مجهول مدحه من الإمام مثلا لا نحكم بتوثيقه لأجل نقله هذا ، بل لا بدّ من إثبات وثاقته مسبقا حتّى يقبل نقله ، فكيف يثبت توثيقه بهذا النقل فهل هو إلّا دور مصرّح؟
وسيأتي إبطال ما توهّمه بعض الرجاليّين في هذا المقام.
٢. وحدة معنى العدالة عند المخبر وعند المنقول إليه :
وهو لو فرض أنّ العدالة عند المخبر بمعنى مجرّد الإسلام وعدم ظهور الفسق ، كما نسب إلى الشّيخ والعلّامة وجماعة (١) ، وعند المخبر إليه بمعنى الملكة ، لم ينفع التّعديل المذكور شيئا ، حتّى مجرّد الصدق ـ كما لا يخفى ـ وهذا أمر مهّم لا يجوز الغفلة عنه.
لكن في كتاب القضاء من الجواهر (٢) : لما هو المعلوم من طريقة الشّرع من حمل عبارة الشّاهد على الواقع وإن اختلف الاجتهاد في تشخيصه.
أقول : لم يحصل لنا العلم المذكور ، ولم نجد دليلا معتبرا على الحمل المذكور في كلامه ، فلا بدّ من التزام بالقاعدة الأوليّة ، الّتي عرفت مقتضاها ؛ وفاقا للشهيد الثّاني في درايته ، كما يأتي كلامه في البحث الثّلاثين إن شاء الله.
__________________
(١) انظر : تنقيح المقال : ١ / ١٧٦ ، الطبعة القديمة. وقال الشّيخ الأنصاري رحمهالله في رسالته في العدالة المطبوعة مع مكاسبه ، الصفحة : ٣٢٦ ، (طبعة اطلاعات) : ثمّ إنّه ربّما يذكر في معنى العدالة قولان آخران :
أحدهما : الإسلام وعدم ظهور الفسق ، وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الأشراف ، والشّيخ في الخلاف مدعيّا عليه الإجماع ...
ولذا ذكر جماعة من الأصحاب هذين القولين في عنوان ما يعرف العدالة ، مع أن عبارة ابن الجنيد المحكي عنه :
إنّ كلّ المسلمين على العدالة إلّا أن يظهر خلافها ، لا يدلّ إلّا على وجوب الحكم بعد التّهم. وأوضح منه كلام الشّيخ في الخلاف ، حيث إنّه لم يذكر إلّا عدم وجوب البحث عن عدالة الشّهود إذا عرف إسلامهم ، ثمّ احتج بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وأنّ الأصل في المسلم العدالة ، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل.
نعم ، عبارة الشّيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى ، فإنّه قال : العدل ... وأمّا في الشّريعة ، فهو من كان عدلا في دينه ، عدلا في مروته ، عدلا في أحكامه.
فالعدل في الدّين أن يكون مسلما لا يعرف منه شيء من أسباب الفسوق ... لكن الظّاهر أنّه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة لا أنّه نفسها ... ثمّ شرّع الشّيخ الأنصاري في إبطال هذا القول.
والحاصل : إنّ الشّيخ الأنصاري ينكر أو يتردّد في نسبة هذا القول ، حتّى إلى واحد من علمائنا ، كما صرّح في الصفحة : ٣٢٩ ، من الرسالة المذكورة.
(٢) كتاب القضاء : ١١٦ / ٤٠ الطبعة الجديدة.