وهذه الضابطة إنّما تصبح ذات ثمرة مهمّة في علم الرجال إذا قلنا بأنّ معنى التّوثيق هو التعديل ، كما عن جماعة من المتأخّرين. وأمّا إذا جعلناه بمعنى التصديق ، فتقل ثمرتها كما لا يخفى.
ثمّ إنّي بعد ذلك وقفت على كلام لسيّدنا الأستاذ الخوئي عليهمالسلام في هذا المقام ، وهو موافق لما ذكرنا ومخالف لما ذكره صاحب الجواهر ، ولمّا ذكره سيّدنا الأستاذ الحكيم في مستمسكه فراجعه ، إن شئت. (١)
٣. معاصرة المخبر للمقول فيه :
أو علم أو احتمل اتّصال سلسلة النقّل إليه ، حتّى يحمل إخباره على الحسّ. وأنّه شاهد آثار العدالة الحسيّة أو أحسّ صدقه منه ، أو نقلت تلك الآثار ، أو صدقه إليه بهذه الكيفيّة ، فلو فرضنا نفي الأمرين معا لم يكن قول المخبر حجّة ؛ فإنّه ينشأ عن حدس بعيد ، وليس النقل الحدسي داخلا في الخبر الواحد المعتبر ، كما حقّقه الشّيخ الأنصاري قدسسره في رسائله.
فلا يقال : العدالة بناء على تفسيرها بالملكة غير حسّية لا محالة.
فإنّه يقال : نعم ، لكن آثارها حسّية ، فتكون نفسها قريبة من الحسّ ، فيقبل الإخبار بها ، كالحسيّ الصرف عند العقلاء. ومحل الإشكال فيما لم تدرك الآثار المذكورة بالحسّ ؛ لبعد الزمان أو المكان ، مثلا : ففي مثله لا دليل على اعتبار التّوثيق والتحسين ، إذا لم يعلم ، أو لم يحتمل عقلائيّا استناده إلى النقل المتّصل ، ومع العلم أو الاحتمال المذكور ، يقبل الخبر حملا له على الحسي ؛ لبناء العقلاء على ذلك. (٢)
ولأجل هذا الشّرط لا نقبل أقوال علمائنا الكرام ، أمثال العلّامة والشّهيدين ونظرائهم في حقّ أصحاب الصّادقين عليهماالسلام مثلا ؛ لعدم مشاهدتهم صدق الأصحاب وآثار عدالتهم بالحسّ ، وعدم احتمال وصولها إليهم بالنقل المعتبر من غير طريق الشّيخ والنجّاشي وأمثالهما.
__________________
(١) التنقيح : ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٢) ومع إحراز وثاقة الناقلين المتوسّطين ؛ ولذا لا نقبل الرّوايات المرسلة ، لاحتمال ضعف رواتها ، كما نذكره في الضابطة الآتيّة.
وبالجملة : بناء العقلاء على قبول ما علم صدوره عن حس أو احتمل صدوره عن حسّ ، وهذا لا ينافي لزوم اشتراط وثاقة الناقلين المتوسّطين ، إذا كان الفصل الزماني بين الناقل والمقول فيه مانعا عن اللقاء. وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الضابطة وتاليتها ، فافهم ذلك جيّدا.
وإعلم أنّ ما يخبر به المخبر على أقسام أربعة : الحدسي الصرف ، الحدسي القريب من الحسّ ، بأن تكون آثاره حسيّة ، المحتمل كونه عن حدس أو حسّ ، الحسيّ الصرف ، وبناء العقلاء على عدم حجيّة القسم الأوّل ، وحجيّة سائر الأقسام كما يظهر للمتدبّر.