لعلمائنا الأعلام أقوالا وتفاصيل في المقام لا بدّ من التّعرض لها ومعرفة قويّها من ضعيفها ، فنقول مستمدّا من الله سبحانه :
القول الأوّل :
المرسل إمّا يرسل عن بعضهم ، أو عن جمع ، والأوّل لا يكون حجّة على الأصل ، والثّاني حجّة للاطمئنان بعدم كذب جمع ، فإذا قال الرّاوي عن عدّة أو عن جماعة أو عن غير واحد أو أمثال هذه العبارات نبني على اعتبار الرّواية ، وإن لم نعرف المحذوفين إسما بالمدح والذمّ ، للاطمئنان بعدم كذب جميع الجماعة المذكورة في أخبارهم. (١)
أقول :
هذا التفصيل لا يحتاج إلى إقامة دليل بعد حصول الاطمئنان بعدم الكذب في الفرض المذكور ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة لم يردع الشّارع عنه ؛ ولهذا التفصيل ثمرات في علم الفقه وغيره ، ولا أدري هل قال به قائلون أم لا (٢)؟
لكنّي أعتمد عليه.
القول الثّاني :
اعتبار روايات مطلق المهملين ، كما صرّح به صاحب قاموس ، الرجال وسيأتي نقد كلامه في البحث الآتي.
وقد نسب هذا القول إلى ظاهر جمع من المتأخّرين أيضا (٣) ، واستدلّ له بأنّ الله تعالى علّق وجوب التبيّن على فسق المخبر وليس المراد الفسق الواقعي وإن لم نعلم به ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق فتعيّن أن يكون المراد ، الفسق المعلوم ، وانتفاء التثبت والتبيّن عند عدم العلم بالفسق يجامع كلا من القبول والرد ، لكن الثّاني منتف وإلّا لزم كون المجهول الحال أسوء حالا من معلوم الفسق ، حيث يقبل خبره بعد التثبّت.
أقول :
التلفيق المذكور فاسد جدّا ، فإنّ الألفاظ موضوعة لنفس معانيها ، لا مع قيد العلم ، كما قرّر
__________________
(١) ويلحقّ بالفرض الأوّل في عدم الحجيّة ما إذا كان قول المرسل محتملا للوجهين ؛ وذلك لعدم حصول الاطمئنان حينئذ.
(٢) يظهر من باب الحيض وباب البلوغ ، عمل جمع من الفقهاء بمثل هذا المرسل.
(٣) مقباس الهداية : ٥٦ ، وخاتمة المستدرك : ٣ / ٢٩٨.