وأمّا الكتب المأمور بها ، فإنّ أراد من الأمر بها الأمر المستفاد من الرّوايات المتواترة الدّالة على حجّيه قول الثّقة ، فقد عرفت ما فيه ، وإن أراد الأمر الخاصّ بالعمل ببعض الكتب ، فمع فرض صحّة هذا الأمر سندا ، تصبح المرسلات والضعاف سندا مسندات معتمدة ؛ لأجل الأمر الثّاني بنفس المتون ، وهذا لا يدلّ على حجيّة المرسل بوجه ، كما لا يدلّ على حجيّة نقل الضعيف والمجهول وإلّا بطل علم الرجال من أصله ، فما نسجه موهون جدّا.
القول الثّاني عشر : حجّيّة مرسلات الحلّي في مستطرفات سرائره ، وسيأتي وجهها ونقده إن شاء الله في بحث مستأنف.
القول الثالث عشر : حجّيّة المرسلات الّتي عمل بها المشهور ، أي : استندوا إليها في مقام الفتوى ، فلا يكفي مجرّد مطابقتها للفتاوي ، كما أنّ المعتبر من الشّهرة الشّهرة بين القدماء دون المتأخّرين ، وهذا هو الكلام الشّائع ، إنّ الشّهرة جابرة وكاسرة ، أي : أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة جابر لضعفها ، وإعراض المشهور عن رواية معتبرة موهن وكاسر لاعتبارها ، كما ذهب إليه المشهور أو الأشهر.
واستدلّ له بأنّ القدماء كانوا أقرب إلى زمان الأئمّة عليهمالسلام وكانوا أعرف بالقرائن اللفظيّة والحاليّة ، وخفاء القرائن عليهم أقلّ منه على غيرهم ، فلعلّهم وقفوا على ما لم نقف عليه ، فعملهم بالرواية الضعيفة يكشف عن قرينة دالّة على صحتّها ، وإعراضهم عن الرّواية المعتبرة يكشف عن خلل فيها. (١)
أقول : هذا الاستدلال ممنوع صغرى وكبرى.
أمّا منع الصّغرى ، فلأنّه لا سبيل لنا إلى إحراز استناد مشهور القدماء إلى الرّواية غالبا ؛ إذ ليس بأيدينا الكتب الاستدلاليّة للقدماء ، حتّى أنّه لم يصل إلينا كتاب ابن أبي عقيل وكتاب ابن الجنيد ، اللذين قيل : إنّهما ألّفا بشكل استدلالي ، بل ليس للمشهور المتقدّمين كتب فتوائيّة حتّى نقف على فتاويهم.
وللشهيد الثّاني كلام طويل ذكره في درايته (٢) وإليك بعضه :
|
هذا إنّما يتمّ لو كانت الشّهرة متحققة قبل زمن الشّيخ ، والأمر ليس كذلك فإنّ من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقا ، كالسيّد المرتضى ، والأكثر |
__________________
(١) إذا ثبت علمهم بوجود الرّواية ولم يكن إعراضهم عن الرّواية المذكورة ؛ لأجل المناقشة في دلالتها ، أو ترجيح غيرها عليها ، ولغير ذلك من العمليات الاجتهاديّة.
(٢) الدراية : ٢٧ و ٢٨.